محاضرة طاهر المصري تستحق الاهتمام




تستحق المحاضرة التي القاها رئيس الوزراء الاسبق طاهر المصري في منتدى العصرية ونشرت «الدستور» نصها قبل ايام ان يتم التعمق بها، ودراسة كل التوجيهات والاقتراحات والملاحظات الواردة فيها، لانها نابعة من شخصية يشهد لها بالوطنية، والتجربة السياسية وانها عملت بإخلاص في كل المناصب التي اشغلتها وفق مصلحة الوطن، ولم يكن لديها في يوم من الايام اية اجندة خاصة، او انها ربطت الانتماء بالمكاسب والمناصب، وان طاهر المصري يبقى رجل دولة بمعنى الكلمة منذ عرفناه قبل عقود.

تحدث المصري بكل صراحة ووضوح عن نبض الشارع وعن كل ما يدور في الكواليس مهما كانت درجاتها، واكد بما لا يدع مجالا للشك ان ما نمر به من عصبيات مؤذية، هي نتيجة التفسير المصلحي لاراء وموافق النخب والسياسيين، وان بعض المسؤولين لم يعودوا يشعرون بضنك الناس، وتراجع اوضاعهم، حتى ان خطر الجوع اقسى واخطر من الارهاب كما وصفه السيد طاهر المصري.

لقد وضع المحاضر الكريم يده على العديد من مفاصل الحياة التي بدأت تؤرق مجتمعنا ليس حباً في التنظير، ولكن من منطق الشعور بالمسؤولية واننا جميعاً نواجه تحديات صعبة تعصف بمنطقتنا كلها، ويكاد شرارها يصيبنا بين فترة واخرى.

ان مبدأ المكاشفة والمصارحة والشفافيه وحرية التعبير عن الرأي تقع في الأولويات التي تساعدنا على النجاة، وتخطي الازمات وعلينا واجب وطني وهو الكشف عن مواطن الخلل، ومواطن الضعف والتعامل معها باعتبارها حالات مرضيه تستوجب العلاج فوراً وان شعار جلالة الملك بأن الحرية سقفها السماء يجب أن يترجم على ارض الواقع، وبغير ذلك فإن الصمت في هذه الحالة ليس فضيلة من ذهب.. بل جريمة من نار وجحيم، وأن الدنيا تغيرت ولا يمكن طمس المعلومات أو منعها.

لقد أصاب المصري عين الحقيقية عندما بين في محاضرتة أن نقد الحكومات لا يخرج صاحبه من وطنيته وولائه، وأننا نذكر في مطلع التسعينيات من القرن الماضي كيف واجه رئيس الوزراء طاهر المصري مجلس النواب وانتقاداته وفضل ترك المنصب لا أن ينسب بحل المجلس حفاظاً على التجربة الديمقراطية، وهيبة نواب الشعب.

لقد كان المصري في غاية الوضوح عندما أكد أن القرار في هذه المرحلة المصيرية لا يمكن ولا يجوز أن يكون حكراً، أو قسراً على حلقة ضيقة من المسؤولين، وأن المشكلة الأساسية التي نواجهها هي في كيفية أن تكون شريكاً في بناء هذا الوطن، بمعنى أن تكون شريكاً في الغنم، والغرم على حد سواء وأن تكون شريكاً في الرأي والنقد، وأن نتقاسم الأرباح والخسائر، لا أن تكون رهناً بدفع فاتورة الخسائر صاغراً مجبراً، وعندما تسأل لماذا أكون كذلك تصبح هدفاً للتحطيم والاتهام.

المصري استلهم العديد مما قاله في محاضرته من الأوراق النقاشية التي طرحها جلالة الملك، وفي مقدمتها، قول جلالته»قد نختلف» لكننا لا نفترق، فالحوار والتوافق واجب وطني مستمر وأن تنوع الآراء والمعتقدات والثقافات في مجتمعنا كان على الدوام عنصر قوة ولم يكن عامل ضعف أبداً، وأن الاختلاف لا يؤشر على وجود خلل، وليس شكلاً لانعدام الولاء بل أن الاختلاف المستند الى الإقدام هو جوهر الديمقراطية، والتي من شأنها أن تجعل من الحلول التوافقية أمراً يمكننا من المضي إلى الأمام.