«فنان الشعب»



الأكيد أن لقب «فنـــان الشــعب» الذي حصل عليه الممثل والمخرج والمونولوجيست السوري الكبير رفيق سبيعي الذي رحل أخيراً، ولد بين مرحلتين عاصفتين تضربان في عمق المجتمع السوري وتؤرخان لسلسلة من الهزات السياسية والاجتماعية لن يمكن تجاهلها أو نكرانها على الإطلاق. إذ لا يخفى على أحد أن ثمانينات القرن العشرين كانت بداية تحولات في حياة «أبوصياح» الشخصية والفنية، وفي الحياة السورية.

 

 

شكل نشاط ابن الحارات الدمشقية العريقة الفني مع زملاء له معماراً كبيراً في الدراما السورية التلفزيونية والإذاعية والسينمائية، وهذه الأخيرة على رغم ولوجه فيها فناً وإنتاجاً غير أن طغيان الطابع التجاري عليها، وقد تجاوزت خمسين فيلماً، غيَّر من المقاصد التي كان يبتغيها سبيعي من مشاركاته فيها بأن يحجز لنفسه مقعد الممثل بعيداً من المونولوجيست والغناء الانتقادي الذي برز فيه تلفزيونياً وإذاعياً، فقد أطاح الإنتاج المشترك ببعض مقاصده وبقي ظهوره فيها ملتزماً هذا الخط باستثناء بعض المشاركات السينمائية له كما في فيلمي محمد ملص «أحلام المدينة» (1984) و «الليل» (1991).

 

 

وإن كان «زعيم الحارات الشامية» يختتم برحيله مرحلة مهمة وخطرة تمر فيها سورية، فلا بد من ملاحظة أن مصطلح «فنان الشعب» يراد له مراجعة ليست نقدية بطبيعة الحال، فلا يشق للراحل موهبة أو ترسخاً في كل المجالات التي عمل بها، ففي حين أجمع الداخل السوري وبعض الخارج على نعي «أبوصياح» بوصفه فقيد الفن والشعب السوري، أبى بعض الأصوات المغرد في هذا الخارج، الا أن يغيّر من هذا الإيقاع الحزين في وداعه ويظــهر تشفياً في غير محله.

 

 

صحيح أن التصدع في المجتمع السوري لم يعد ممكناً رأبه بعدما تمكنت الحرب من كل شيء، وقد لا يبدو مفيداً حتى التنويه بتغريدة بسام جعارة التي «أثنى» فيها على التوقيت المناسب لرحيل رفيق سبيعي، الا أن قراءة نقدية متبصرة في مصطلح «فنان الشعب» تكاد تكون هي الأنسب في مثل هذا الظرف الدقيق، ففي رحيل «القبضاي»، عن أي شعب سيمكن الحديث، بعد أن أثبتت هذه الحرب الشرسة واللئيمة أن الشعب نفسه لم يعد واحداً.