أزمة فلسطين الذاتية
نجح الرئيس محمود عباس في عقد المؤتمر السابع لحركة فتح يوم 29/11/2016، وجدد الشرعية الحركية والتنظيمية والحزبية لنفسه ولتوجهاته ولمن يسير على نهجه، بلا تردد مهما كانت النتائج المترتبة على تغيير أسلوب ونهج وإدارة الحركة، بدلاً من الحفاظ عليها كحركة تقوم على قاعدة التعددية في إطار وحدة الحركة، وصون مرتكزاتها كحركة سياسية منفتحة غير متزمتة، جبهوية غير عقائدية، صاحبة مشروع وطني تحرري تتوسل الشراكة في الإطار الداخلي للحركة، وفي إطار التفاهم والتحالف على أوسع أبوابه وطنياً عبر مؤسسات منظمة التحرير، ولولا روح التعددية الوطنية لما بقي محمود عباس نفسه عضواً قيادياً في حركة فتح، لما كان يشكله من لون سياسي لم يكن يحظى برضى رفاقه، بدلالة الاتهام الذي وجه له حينما تولى رئاسة الحكومة على أنه " كرزاي فلسطيني "، في مواجهة أبو عمار، بينما روح التعددية وتوسيع قاعدة الشراكة هي السلاح الذي وظفه الرئيس الراحل ياسر عرفات في مواجهة محاولات تفتيت الحركة داخلياً، وفي مواجهة خصومه السياسيين، وفي مواجهة أطراف عربية سعت لفرض هيمنتها على دور منظمة التحرير وعلى قرارها الوطني المستقل، وفي مواجهة العدو.
ولهذا وبدلاً من السير على نفس النهج الحركي وتمتين تماسكها الداخلي في مواجهة العدو الإسرائيلي المتفوق، وفي مواجهة خصمها السياسي القوي حركة حماس، وقعت قيادة حركة فتح في خطيئة ستدفع ثمنها عاجلاً وليس آجلاً، فالشعور بالزهو والانتصار والتفرد باتت هي مضامين السيطرة على روح الحركة وعقلها، بما يتعارض مع تاريخها وتراثها وقيمها التي اكتسبتها بفعل العمل والنضال والخبرات المديدة.
لقد ركز الهجوم الرسمي من قبل بعض قيادات الحركة على النائب محمد دحلان كخصم سياسي للرئيس ولنهجه، طوال الوقت الذي سبق انعقاد المؤتمر الحركي، وبعد نجاح عقد المؤتمر، كان من المتوقع أو من المفروض أو من المصلحة – إذا توفر الحد الأدنى من الحس بالمسؤولية – العمل نحو لملمة الحركة الفتحاوية، استناداً إلى تراث أبو عمار الذي يجمع ولا يفرق، قائداً للجميع وأباً لكل رفاقه، وبدلاً من ذلك، تحول التركيز على شخص النائب محمد دحلان الذي غادر حركة فتح عنوة، ولم يدع إلى المؤتمر وبدلاً من ذلك ذهب الرئيس إلى المزيد من الاجراءات لينال من نواب الحركة من أعضاء المجلس التشريعي، وبقرار غير مسنود بالصفة القانونية ولا الشرعية ولا الحد الأدنى من سعة الأفق، فقد سعى نحو النيل من نواب الحركة من أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين من شعبهم حيث قام برفع الحصانة عن خمسة نواب بلا سبب وجيه، لم يقبضه أشد الناس خصومة للنائب محمد دحلان وتياره الفتحاوي الذي أعلن أنه مازال متمسكاً بفتحاويته، لا يملك أحد المساس بها أو عزله عنها كما أعلن هو نفسه عن ذلك.
كان السائد قبل انعقاد المؤتمر أن الخلاف أو الصراع بين الرئيس محمود عباس وبين النائب محمد دحلان، خلاف شخصي ذاتي، مقتصر عليهما، وعلى بعض أعضاء اللجنة المركزية الذين يطمعون في الخلافة وينظرون لرفيقهم محمد دحلان عقبة متمكنة ومقدرة تفوقهم، فوجدوا أن صراع الرئيس وخلافه مع النائب محمد دحلان فرصة للتخلص منه، تقربهم من تطلعاتهم لوراثة الموقع، كان ذلك قبل المؤتمر ونتائجه، ولكن توسيع إجراءات المس والعقوبة نحو طرفين، ألغت الانطباع السائد على أنه خلاف شخصي بين الرجلين، فالإجراءات طالت أولاً 15 نائباً من حركة فتح أعضاء لدى المجلس التشريعي من أصل 45 نائباً، أي أن ثلث نواب حركة فتح هم مع تيار النائب محمد دحلان، كما طالت ثانياً 15 عضواً آخر من أعضاء المجلس الثوري لحركة فتح هم قيادة التيار الذي يقوده النائب محمد دحلان، وبذلك تكون رغبة الأطراف العربية الأربعة التي سعت نحو خدمة حركة فتح وتقديم اقتراحات ملموسة لوحدة الحركة وتماسكها، لها وجاهتها ومبرر تقديمها، وصواب دوافعها، فالمؤتمر رغم نجاح انعقاده، ولكنه لم يحقق ما كان مرجواً منه، بل فاقم من أزمة حركة فتح، حيث اتسع حجم المعارضة لقياداتها ونهجها الاقصائي، مما يوفر الراحة لعدوها، والقلق وعدم الطمأنينة لمحبيها والمراهنين على مكانتها باعتبارها ام المشروع الوطني الفلسطيني، وقائدته، والمعبر عن استمراريته.
من يقرأ النائب المشاكس حسام خضر، والضابط المتقاعد منذر إرشيد، ويتابع أحزانهما وغضبهما يشعر بالحسرة لما آلت إليه الحركة بتراجعها وانحسار دورها وعناد قيادتها في مواصلة الانحدار نحو الهاوية، هاوية الفردية واللون الواحد مثلها مثل لجان معمر القذافي الثورية، وأحزاب حسني مبارك الشعبية، وزين العابدين بن علي الديمقراطية، وعلي عبد الله صالح القومية، الذين كانوا في السلطة واستفردوا بالقرار وبالحكم فحصل ما حصل لهم، لأنهم ادعوا العبقرية ومارسوا التفرد وكأنهم ميزة عصرهم، وبالمناسبة كانوا عندهم ولديهم قوات ومخابرات وأمن وقائي، ولهم صلات قوية بالأميركيين وبالأوروبيين، وكان بعض قياداتهم وأجهزتهم الأمنية يتلقون هبات نقدية " كاش موني " من المخابرات الأميركية حماية لأنظمتهم ومع ذلك سقطوا وزالوا رغم امتلاكهم للقوة والبطش، ورغم العلاقات، ورغم الكاش موني.
اقتراحات الأشقاء المصريين والأردنيين حول ضرورة تحقيق وحدة حركة فتح أولاً ومشاركة حركتي حماس والجهاد في مؤسسات منظمة التحرير ثانياً، مازالت هي البوصلة الموصلة للهدف المرجو، بل وازدادت أهميتها بعد المؤتمر أكثر مما كانت قبله، ولازالت رؤية النائب محمد دحلان واقتراحاته، خارطة طريق حيوية وضرورة، ليس لأنه شخص عبقري وفلتة زمانه، بل لأنه واقعي وعملي ومازال محافظاً على أصوله الفتحاوية ومتمسكا بها، والأهم من هذا وذاك أن قاعدته الفتحاوية تزداد قوة وتتسع انتشاراً بين صفوف حركة فتح وبين مسامات شعبه في مختلف أماكن تواجده، تلك هي النصيحة التي مازالت مخلصة وحية وجديرة بالتفهم والتفاهم صوناً لوحدة الحركة ومدماكاً مطلوباً في الطريق إلى وحدة الكل الفلسطيني، ممن هم في إطار منظمة التحرير ومن هم خارجها : حماس والجهاد والمبادرة الفلسطينية.
h.faraneh@yahoo.com