الإخوان ومسألة التشارك والإنقاذ في المجتمع الأردني

د. علي العتوم - تسري في هذه الأيام ومن قبل سنواتٍ عند أفرادٍ في الحركة الإسلامية قضيةُ التشاركية في المجتمع، ويعنون بها وجوبَ أن تجعل الحركةُ بينها وبين فئات المجتمع الأخرى مساحةً للتعاون وتقاسم الأدوار، وأن تترك لهم نصيباً من كعكة المنافع التي يُسعى إليها، فلا تبدو محتكرة لها وحدها !! ويرى هؤلاء الأفرادُ أن الحركة قصَّرت في هذه الناحية إلى درجة الإخفاق . ومن هنا فلا بد من حركة من داخلها، تقوم لتأخذ على عاتقها – وهي تدعو إلى عملية الشراكة هذه – أنْ تُنقذ الجماعة مما هي فيه من تقصير يُوشك – على رأيهم – أن يصل بها إلى السقوط .

 وأقول ابتداءً : أليس الإسلام أصلاً، هو دينَ التشارك والإنقاذ للمجتمعات، التشارك في الخير والمعروف والإنقاذ من الشرّ والضلال، ومنزل كتابه يقول سبحانه : (وتعاوَنُوا على البرِّ والتقوى) ويقول فيه : (كتابٌ أنزلناهُ إليكَ لتُخرِجَ النّاسَ من الظُّلماتِ إلى النُّورِ بإذنِ ربِّهِمْ)، أوليست الحركة الإسلامية والإخوان بالذات، ودعوتهم إسلامية صِرفة، تعمل لخير الناس وتدعو لمشاركتها في حمل الكَلِّ الذي أخذت هي على ذمتها حمله، ولو أدّى بها ذلك إلى أشد أنواع الإيذاء، خدمة للناس ومجتمعاتهم، ونهوضاً بها من وهداتها، وإنقاذاً لها من ورطاتها التي أوقعهم فيها السلاطين الظلمة، وهذا إمامها الأول البنا رحمه الله يقول : (ونحبُّ أنْ يعلم قومنا أنهم أحبُّ إلينا من أنفسنا، وأنه حبيبٌ إلى هذه النفوس أن تذهب فِداءً لعزّتهم إنْ كان فيها الفِداء، وأنْ تزهق ثمناً لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم، إن كان فيها الغناة)؟!

 ولما كانت هذه الدعوة التي نحن بصدد الحديث عنها، إنما نعني بها ما نبتَ منها في الأردن، فسأقصر الحديث بشأنها على أمر الحركة فيه، وسأقتصر من ذلك على محطات منه رئيسة تاركاً التفصيل في ذلك إلى مكان آخر مخافة السآمة والتطويل، فأقول – بالنسبة للشقِّ الأول من هذه الدعوة الناجمة وهو المطالبة بالمشاركة - : عندما قام الإخوان في الأردن منذ بدايات نشوئهم بقيادة رئيسهم المرحوم الحاج عبد اللطيف أبو قورة ليسهموا في قتال اليهود بفلسطين سنة 1948م بتشكيل كتيبة أبي عبيدة التي عسكرت في بلدة عين كارم، وكان عددها حوالي ثلاثمئة مقاتل بعضهم من الإخوان وكثير منها من غيرهم، ومنهم المجاهد المرحوم محمد الفايز بني صخر، وقد استشهد عدد منهم . أليس هذا مثالاً على مشاركة من الإخوان للناس ومشاركة من الناس لهم، وعدم الاقتصار في هذا الأمر الجلل عليهم وحدهم ؟! أوليس ذلك من الإخوان قياماً بشقّي المسألة : المشاركة مع غيرهم والاسهام في الوقت نفسه بإنقاذ ما يستطيعون إنقاذه من البلد المقدّس من عدوان اليهود الغاصبين عليه ؟!

أوليس إنشاء الكلية العلمية الإسلامية في جبل عمان عام 19477م، وقد كان للإخوان بزعامة مسؤولهم الأول الحاج أبو قورة السهم المُعلّى في إنشائها، إذ الأرض تبرّع بها أخوه عبد الله والمال جمعه الحاج نفسه من تجار عمان الكرام إخواناً وغير إخوان، ليقيموا هذا الصرح الذي يعدُّ من أعظم صروح العلم في الأردن بتوجّه إسلامي وطني – من مشاركات الإخوان للناس في مهمة نشر العلم وتشييد دوره، ومن ثَمَّ مساهمةً منهم في إنقاذ البلد وأبنائه من شرور جمعيات التبشير التي كانت تقوم بها في عمان مدارسها آنذاك، وهو ما كان يقصده الحاج عبد اللطيف رحمه الله بالدرجة الأولى ؟! ومعلومٌ أن هذه الكلية دَرَس فيها الملوكُ وأبناءُ الملوك في البلد وأولاد الوزراء وغيرهم من فضلاء الموطنين، ودرَّس فيها من الأساتذة الأجلاّء يوسف العظم وتقي الدين النبهاني ودُعِي للتدريس فيها الشيخ محمد الغزالي رحمهم الله جميعاً ؟!

أوليس طلب الإخوان في انتخابات (19566م) النيابية من السيد يعقوب معمّر النصراني من الحصن - وقد كان يعمل حينها قاضياً في القدس، وذلك عن طريق مراقبهم العام الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة - أنْ يكون ضمن قائمتهم الانتخابية، وقبوله هو ونجاحه معهم، ومن ثم التزامه بنهجهم العام في المجلس، هو نوعاً من رغبتهم في مشاركة أبناء المجتمع لهم في هذا الشأن، حتى ولو كانوا على غير دينهم، ونوعاً في الوقت نفسه من السعي في إنقاذ البلد أو المجلس من مفسدة متوقعة بنزول منافسه النصراني الآخر (فرح إسحق) درءاً لها وسدّاً ؟!

 أوليس وقوفهم مع الجيش العربي وعامة الشعب الأردني في أحداث الزرقاء في وجه الانقلاب عام 1957م الذي كان يتزعمه آنذاك من كانوا يُسمَّوْنَ بالضباط الأحرار والذي تدعمه سفارات الأنظمة المعادية، لبث الفتن في البلد وتغيير هويته العربية الإسلامية، مشاركة منهم لأبناء الوطن عسكريين ومدنيين للتخلص من شرٍّ داهم ينتظره، وإنقاذاً له من خطر يتهدّده، هو ما حاق بالبلاد الأخرى جراء هذه الانقلابات العسكرية المستبدة ؟! أوليس تدفق المواطنين من الإخوان وغيرهم من أبناء الأردن على سفارة مصر إبّان العدوان الثلاثي عليها عام 1956م للمشاركة في القتال دفاعاً عنها أمام هذا العدوان الغاشم، مشاركة منهم للناس في هذا العمل الوطني، ومساهمة كذلك في إنقاذ أرض الكِنانة، أنْ تجوسها ذئاب هذه الدول الغازية ؟!

 أوليس إنشاؤهم جمعيةَ المركز الإسلامي بمدارسها وكلياتها ومستشفاها الكبير ومستوصفاتها المتعددة وفروعها المختلفة عام (1964م) لغايات المساعدة في فعل الخير وبذله لمن يحتاجه من مختلف فئات المجتمع، وقد قام بها بقيادة الإخوان نفرٌ من أهل الفضل منهم ومن غيرهم، وقد كان من كبار هيئتها الإدارية المشرفة، المهندس الكبير أبو يوسف رائف نجم وهو ليس من الإخوان، أوليس ذلك حقّاً مشاركة منهم للناس إدارة وتخطيطاً وتقديم مساعدات لأبناء المجتمع، أوليس ذلك كذلك إنقاذاً لكثير من قطاعات الناس مما هم فيه من فقر مدقع ومرض موجع، أوليس اشتراكهم بعد هزيمة حزيران (1967م) بهيئة (التجمع الوطني) وفيها من ليسوا منهم، وكذلك انضمامهم آنذاك إلى لجنة (إنقاذ القدس) نوعاً من المشاركة الوطنية والسياسية والعمل – ما استطاعوا – على إنقاذ فلسطين والأردن مما يتهددهما من احتلال فاغر فاهُ ؟!
أوليس اشتراكنا نحن الإخوانَ في أعمال الجهاد في فلسطين وضمن حركة (فتح) عام 19688م وقتالنا المشهود وشهداؤنا المذكورون آنذاك تحت لافتة فتح والرضا بأن تكون بيانات شهدائنا باسمها، نوعاً من المشاركة لغيرنا في الجهاد ونسياناً منّا للذات في سبيل الصالح العام، علماً بأنّ فتح حينها كان فيها مالا يُرضى عنه، أوليس هذا كذلك سعياً لإنقاذ ماقد يستطاع إنقاذه من الوطن السليب ؟! والأهم من هذا كذلك رفضنا عندما أطلت الفتنة برأسها بين المنظمات والجيش ووقوع الاحتراب بينهما سنة 1970م لهذه الفتنة، ورفعنا شعار : المسلم أخو المسلم، إنقاذاً للأرواح من أبناء المجتمع الواحد، وهو ما يعرفه فينا ويقر به لنا القاصي والداني والعدو قبل الصديق ؟!

أوليس وقوفنا مع الجسم الطلابي بجامعة اليرموك عام 19866م - وهو من مختلف الاتجاهات حينما وقع الحيف عليهم برفع رسوم التدريب الصيفي على طلاب الهندسة، وقد كنا حينها مسؤولي الجمعيات الطلابية - يُعدُّ مشاركة فاعلة للمجتمع الطلابي، ومحاولة منا لإنقاذ مانستطيع إنقاذه من حقوقه المهضومة وذلك باعتصامات سلمية خالصة على الرغم مما تحملنا نحن وغيرنا بسبب ذلك من ضُرٍّ ابتداءً بالسجن وانتهاءً بالفصل من الجامعة، وقد كنا أكثر المتضررين كما يشهد بذلك حتى من كان يناوئنا بالفكر والمتّجه ؟! أوليس دعمنا لعدد غير قليل من المرشحين في انتخابات المجلس الحادي عشر سنة 1989م من غير الإخوان مشاركة لغيرنا وإعطائهم فسحة في مقاسمتنا ثمرة النجاح، إذ كان عشرة من الناجحين على الأقل ممن حملناهم على قوائمنا ؟! أوليس هذا مشاركة منا للناس وإنقاذاً للمصالح العامة من المتغولين عليها ؟!
 أوليس نهوضنا لتكوين جمعية الهلال الأخضر خدمة للمتشردين من خطر حرب الخليج الثانية إبّان الاعتداء الأمريكي على العراق عام 1991م، نوعاً من الشراكة والإنقاذ ؟! أوليس دعوتنا لإقامة الائتلاف القومي الإسلامي الذي يجمع بين أبناء الحركة الإسلامية وأبناء الأفكار العروبية الأخرى من بعثيين وقوميين نوعاً من الشراكة والإنقاذ وقد كان الإخوان يُقدّمون في كثير من هذه الاجتماعات زعماء هذه الأحزاب ليكونوا هم من يرأس مثل هذه الاجتماعات خدمة للوطن ودعوة للتقريب بين الأفكار القومية والإسلامية وذلك إبّان المجلس النيابي الحادي عشر ؟! أوليس تكوينهم لجبهة العمل الإسلامي التي أُرِيد بها أن تكون مفتوحة للجميع إخواناً وغير إخوان مسلمين وغير مسلمين، وكذلك تأليف الجبهة الحزبية المعارضة سنة (1992م) نوعاً من هذا التوجه في المشاركة والإنقاذ ؟!

 أوليس تكويننا - وهذا أحدث أعمالنا في هذا الشأن الذي ينقدنا فيه المعترضون على سيرنا من أفرادنا – التحالفَ الوطني للإصلاح الذي دخلنا به في الانتخابات النيابية للمجلس الثامن عشر عام 2016م وفيه معنا للتشارك في هذا المعترك من غيرنا : القومي والنصراني والحزبي والعسكري المتقاعد والمستقل، وقد نجح منا عدد لا بأس فيه مقارنة بانتخابات 2007م، أليس هذا من أنواع بل أشد أنواع المشاركة، وعدم احتكار المواقع دون غيرنا، وسيراً على سياسة الأخذ والإعطاء فما مناط الاعتراض هنا إذاً ؟! وما الباعثُ على هذه الدعوات ونحن نُقدّم الخير لغيرنا على بساط من حرير وطبق من ذهب ؟! يشهد بذلك اضافة إلى هذا، أعمالُنا في النقابات على مختلف مسمياتها، ولاسيما نقابتا المهندسين والمعلمين، مع ملاحظة أننا - ونحن نطالب بالمشاركة المجتمعية ونسعى للإنقاذ وطناً ومواطنين - نجد أن أصحاب السياسة العامة وبعض أبناء مجتمعنا الذين نعاملهم بالحسنى وندعوهم للتشارك معنا، يعاملوننا بعكس ذلك وعلى طريقة المثل العربي القديم : (أُريد حياته ويريد قتلي) ؟! فليُخفِّف الداعون للاعتراض على الحركة من وطأتهم، وليتبصروا مواقع أقدامهم حتى لا ننزلق جميعاً إلى ما لا يُرضى، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين ...