الإقلاعُ عن الفسادِ والعودة إلى الشّرف مرّةٍ أخرى...!
الإقلاعُ عن الفسادِ والعودة إلى الشّرفِ مرّةٍ أخرى...!
أيّها الفاسد: اليوم أتممت ثلثي عمرك من الحياة بعد الإقلاع عن الشّرف، فهل لا زلت تتذكّر آخر يومٍ كنت فيه من الشّرفاء؟ ما هو شعورك الآن وأنت تعود إلى بيتك وتأوي إلى فراشك؟ ألم تجد نفسك عاجزاً عن المروءة؟ ألا تفتح فمك على اتساعه لتلتقط نسيم الشّرف دون جدوى؟ ألم تشعر بأنّ غرفتك تميد بك وأنك على وشك الدّخول بغيبوبة لعدم وصول الشّرف إلى مخِك والمخيخ؟
تصوّر لو أنّك عملت كشفاً كاملاً على أجهزة جسمك ووظائف أعضائك مثلاً عند احد الشّرفاء، وأقبل عليك يحمل إليك خبراً سارّاً وهو: أطمئن ...ليس عندك أدنى شرف، اعلم أنّك سوف تشعر بالانزعاج من هذا الخبر الذي يُفترض أنّه لك سار وطيّب..، أتعلم لماذا؟ لأنّك فهمت أنّه كان يشكّ بإصابتك لا سمح الله بالشّرف... .
وبما انّك فسدت منذ نعومة أظفارك ولا زلت فاسداً وأنت كبيرٌ هرم؛ فإليك تقريرك النّهائيّ من كلّ شريفٍ مُشرِّف:
نعم، لقد ضحكت على نفسك والدّنيا، واستمتعت بالفساد لسنون طويلة دون أن تدفع ثمناً فادحاً، وأحذر...؛ فأنت تقف الآن على الحافّة، ومن الآن فصاعداً؛ سيكون لفسادك ثمنٌ لا يمكنك احتماله...، فخلايا الفاسد وأنسجته وضميره وبنيته الجسمانيّة عندما يكون شابّاً؛ تتحمّل أضرار الفساد (ماء وخضراء ووجهٍ حسن)، لكن بمرور الوقت، وتراكم الأضرار، وتأثّر الأعضاء وموت الأحاسيس وتلبّد المشاعر واختفاء الضّمائر...؛ تبدأ دورة حياتك تتجه إلى الأسفل بعد أن يؤشّر ويصل منحناها الطبيعي إلى أقصى ارتفاعاته، فتتوقّف عمليّات البناء والنّمو، لتبدأ بعد أن تحلّ محلّها عمليّات الهدم والانحدار...، وهنا ستفهم تماماً وتتذكّر قول الشّاعر: (.....لكلّ شيءٍ إذا ما تمّ نقصان)!
أيّها الفاسد: الآنَ يناوشك الموت أو يكاد بكَ يحدق، أتعلم بعد ماذا؟ بعد أن مارست الفساد شابّاً لتضع (سيجاراً) وأنت منتشياً فرحاً في فمك ولم تكُ تعلم حينها أنّك تمرّ بحالة من منتهى الغرور والجهل والغباء، وكنت لشدّة فشلك وضعفك...؛ تضحك ممن يحذّرك من خطر الفساد، لا بل تتساءل في وقاحة متناهية: أيُّ خطر وأين هو هذا أو ذاك الخطر؟ وتحدّثك نفسك فخورة بك لتقول لك: أنت تمارس الفساد كلّهِ ولا تشعر بعيبٍ أو وخز ضمير، ألم تكن تعلم أنّ تأثير الفساد تراكميّاً وأنّ ضرره كصدأ يطول غيار عربة فيزداد ليتزايد، فيُهلِك ويُهلِك في غفلة من صاحبها، وعندما يتآكل كلّ شيء؛ يكون الوقت قد فات لعمل أو إنقاذ شيء، وأنّه ليس لك الآن سوى أن تعيش في تذكُّرِ حجم الدّمار والخراب اللذان ألحقتهما بنفسك نتيجة إصرارك على الفساد في كلّ وقتٍ وتحت أيّ ظرف.
ولنفترض أنّك الآن بعد هذا العمر من الفساد قد تملكّك الخوف، وقرّرت الإقلاع فوراً عن الفساد...، فهل هذا القرار سيكون عليك سهلاً؟ بالطّبع لا، وستكون تجربتك قاسية جدّاً، وستشعر أنّك تعيس نتيجة فقدانك لنيكوتين الفساد، وستعيش مرارة فيما بقي لك من أيّامٍ، وسيزداد كرهك لنفسك والحياة، وبعد أن كنت كئيباً فقط؛ فأنت الآن مُكتئباً معدوماً فاقداً للإحساس بجودة الحياة وبهجة معانيها وجدواها، فتنسحب وتنسحب، وكل يومٍ عليك يأتي؛ سيكون أسوأ من سابقه...، فلن تتخلّص من تأثير سنوات من الفساد بأسبوع أو شهر ...،فهيهات... هيهات...أن يحي من كان مثلك ميّتاً أو أن يوُلد من جديد!
واليوم، ورغم قناعتنا بكراهيّتك لرائحة الفساد الذي أمضيت عمرك معها؛ فإنّنا نعتقد لا بل نؤمن بأنّك لن تعود إلى الشّرف، لا يأساً أو تيئساً لك منّا...، ولكن...؛ لأنّك لا ولن تقدر على المرور بتجربة الإقلاع عن الفساد والعودة إلى الشّرف مرّة أخرى!
وإلى كلّ فاسد: تستطيع تخليص نفسك من العباد، فماذا تقول بربِّ العباد يوم لا أنساب بيننا، فينادي لمن الملك اليوم، فنقول كفّاراً ومسلمين: لله الواحد القهّار؟!