زوبعة إغلاق شركات الجنوب ... حقائق لا بد أن نعرفها
اخبار البلد_ لقد كثر الحديث مجددا عن شركات الجنوب بين مؤيد ومعارض ، ومهاجم ومدافع على وجود هذه الشركات ، فقبل سنوات دارت معركة إعلامية وقضائية شرسة بين الحكومة وشركات الجنوب بالمطالبة بدفع ما يسمى بمستحقات واجب دفعها للحكومة بدل أثمان المياه.
فلا يختلف اثنان على أن مشكلة المياه هي مشكلة إستراتيجية وهامة جداً، وتكمن أهمية هذه المشكلة بقلة الموارد المائية، ولكن بعد أن انتبهت وزارة المياه أخيراً لحوض الديسي بأنه احتياط ومخزون مائي استراتيجي هام وانه خط احمر لا يمكن تجاوزه، بدأت تشن حرباً إعلامية وقضائية هائلة على المنتفعين والمستخدمين لمياه الديسي وتحديداً الشركات الزراعية والتي تنتفع من مياه حوض الديسي وذلك بموجب اتفاقية وقعت بين الحكومة وتلك الشركات في عام 1986.
وبعد صراع دام وقتها شهوراً طويلة بين وزارة المياه وشركات الجنوب حول المطالبة بمستحقات مالية بدل استهلاك مياه، وحيث أن تلك الشركات الاستثمارية كانت رافضة لدفع أي مطالبات إضافية للوزارة كونها متمسكة بالاتفاقية التي تم توقيعها مع وزارة المالية عام 1986 ومدتها 25 عاماً وكون أن تلك المطالبات لوزارة المياه لا أساس لها باعتبارها تناقض بنود الاتفاقية، وانتهى الأمر قضائياً لصالح هذه الشركات.
مؤخراً صدرت الأنباء في الصحف اليومية عن عدم نية الحكومة بتجديد العقود لشركات الجنوب، ومن المعروف أن تلك الشركات هي شركات أردنية وكوادرها أردنية ورأسمالها أردني أيضاً، وتم تأجير هذه الأراضي لهذه الشركات على أساس زراعة جزء من هذه الأراضي للقمح ،ولكن بعد بدء العمل بسنوات قليلة أوضحت الحكومة بعدم رغبتها بشراء القمح وذلك للاعتماد على الاستيراد والأسباب موجودة بالطبع عند الحكومة ، مما دفع هذه الشركات للبحث وزراعة أصناف أخرى من ضمن حاجات السوق الأردني ولتخفيف عبء الاستيراد مما يخفف التكلفة بالتالي.
ولكن قبل سنوات قليلة ماضية بدأت حملات غير مسبوقة ضد هذه الشركات بأنها حيتان تتغول على الحكومة وتشفط كميات كبيرة من حوض الديسي ، وفي هذا حقيقة منقوصة يعلمها الجميع وأكدها القضاء الأردني، إنما هنالك أهداف خفية يحاول الكثيرون إثارة زوبعة حول هذا الموضوع من أجل تحقيق مآرب شخصية وخاصة.
وهنا يجب ذكر حقيقة هامه فيما يتعلق بحوض الديسي ، وهي أن نسبة استغلال الأردن لمياه الديسي هي 2.5 % فقط وبالمقابل فإن المملكة العربية السعودية التي تشترك معنا بنفس الحوض تستغل ما نسبته 97.5% من مياه الحوض، وحسب الدراسات الأردنية تشير بضرورة سحب الأردن كميات موازية كالتي تسحبها السعودية ، حتى لا تميل مياه الحوض باتجاه الأراضي السعودية ( هذا حسب الدراسات) حيث عدد الآبار في الأردن لا تزيد عن 60 بئر بينما عدد الآبار في السعودية بالمناطق القريبة 1350 بئر ، أن وما قرار جر مياه الديسي سوى خطوة في الاتجاه الصحيح مع أنها متأخرة .
السؤال الذي يجب أن يطرح وهو ما هي الحقيقة، هل حقاً من مصلحتنا أن نغلق هذه الشركات، وما هي الحكمة من ذلك ، وهل حقاً هي عبء على البلد، نحن نريد إجابة دون تمويه ولا تضليل لتحقيق مآرب شخصية، وما هو الذي نفهمه وما الذي لا نفهمه.
ولكن ماذا لو تم إغلاق هذه الشركات وماذا يترتب على ذلك ، فنقول من وجهة نظرنا ، إن عدم تجديد هذه العقود هذا يعني بالتالي إغلاق هذه الشركات ويصبح معها كل العاملين فيها عاطلين عن العمل ، ولا يقتصر الأمر على قطاع الزراعة بشكل مباشر بل هنالك متضررين من ذلك القرار قطاعات أخرى كبيره مثل : قطاع التخزين والتبريد، قطاع النقل ، مصانع العبوات، شركات الأسمدة والمبيدات، محلات السوق المركزي، شركة الكهرباء، ضريبة المبيعات والدخل، مستوردي أدوات الري أو مصنعيها، دائرة الترخيص وترخيص السيارات.
هذه القطاعات أعداد أفرادها بالمئات ويعيلون عائلاتهم بالآلاف ، إذاً ما هي الغاية والحكمة من إغلاق هذه الشركات، هل نرغب بهجرة أصحاب الأموال إلى الدول المجاورة والتي تقدم كافة التسهيلات وترغب بهم جميعهم والدليل مربي الماشية وما قدم لهم في مصر من تسهيلات ومصانع الورق الصحي وغيرها.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا وهو ، كيف سيكون حال الأسعار ذات العلاقة خصوصاً إننا سنعتمد على الاستيراد بشكل كبير وهنا سوف نصبح تحت رحمة هؤلاء المستوردين ، وللمثال لا الحصر حيث سيصبح من حكم المؤكد فالبطاطا ستصبح بحدود 1.5 قرش للكيلو ، والبصل 1 دينار
الأعلاف: البرسيم 450 دينار بدل 320 دينار، الذرة ( سيلاج ) 200 دينار بدل 120 دينار. ( أي أسعار اللحوم سوف ترتفع أيضاً ).
أي أن هنالك ارتفاع عام مباشر وغير مباشر على الأسعار هذا يعني أعباء على المواطن الأردني الذي لديه ما يكفيه من أعباء.
أما على الصعيد الأيدي العاملة فإن هذه الشركات وفرت فرص عمل لمئات الأردنيين سواء كانوا من نفس سكان المنطقة وغيره حيث بلغ عدد الموظفين في شركة رم الزراعية وحدها 115 موظف أردني منهم 70 موظف من أهل المنطقة يبلغ إجمالي رواتبهم 155 ألف دينار أردني سنوياً ، عدا عن المساعدات الشهرية للعائلات المحتاجة في المنطقة تقدر بـ 18000 دينار سنوياً ، بالإضافة للفائدة التي يحصل عليها سكان المنطقة من خلال التجارة التي يستفيدون منها وذلك ببيعهم ما يقارب من 30 % من إنتاج الشركة من مادة البرسيم حيث يباع لهم بأسعار للمتاجرة بها وبقيمة إجمالية مليون ونصف دينار سنوياً.
كما أن هؤلاء الأشخاص أو أصحاب تلك الشركات هم من أبناء هذا الوطن وعملوا الكثير الكثير لما فيه من مصلحة للوطن وأبناءه وإن استثماراتهم الزراعية تلك لم ينتزعوها من احد ولم يجبروا أحد لأخذ الموافقة منهم لعمل تلك الاستثمارات، حيث يعد السيد صبيح المصري ثاني مستثمر في الأردن بعد مؤسسة الضمان الاجتماعي.
الغريب في الموضوع والذي يثير التساؤل عن السبب وراء هذه الزوبعة ، حيث الذي نسمعه هو عن الأرباح الخيالية التي تحققها هذه الشركات وكان هذه الشركات تزرع بذراً وينتج ماساً، فعند الاطلاع على ميزانيات هذه الشركات والتي هي مثبته وموثقة في وزارة الصناعة والتجارة ولدى مراقب الشركات ( أي الشركات الزراعية ) فتجد إنها بالكاد تغطي مصاريفها مع هامش ربح بسيط وحسب التدقيق المالي الداخلي والخارجي، فعل سبيل المثال رأسمال شركة رم الزراعية 6 مليون دينار بلغ حجم الخسائر منذ عام 1986 ولغاية 2007 بحوالي 17 مليون دينار أردني كان يتم دفع هذا الخسائر من حساب الخاص للسيد صبيح المصري للمحافظة على استمرارية هذه الشركة التي تعتبر نموذجاً للاقتصاد المحلي.
إن الاتفاقية بين الحكومة وهذه الشركة تنص أنه يحق للحكومة عدم تجديد العقد ولكن يترتب على الحكومة دفع تعويض ومنها أن يتم دفع قيمة كامل الموجودات الثابتة والمتداولة والمحاصيل والمستحدثات ، ومن تلك الموجودات العائدة ملكيتها للشركة على سبيل المثال لا الحصر الآبار ، المحاور ، البنية التحتية ، إضافة لمشروع الأشجار المثمرة وهي آلاف الدونمات تحتوي على مئات الآلاف من الأشجار المثمرة المنتجة ، والأشجار المزروعة التي ستعدم وغيرها ، وبالتالي يترتب على الحكومة دفع مبالغ لهذه الشركة ومن الجدير بالذكر أن تم شراء مشروع إنتاج الحبوب والأعلاف الحكومي ( المتعثر وقتها ) من قبل شركة رم الزراعية بالاتفاقية مع الحكومة من قبل وزير المالية كممثل عن الحكومة لتشمل إيجار الأرض وقامت الشركة بشراء هذا المشروع بقيمة 18 مليون دولار دفعت للحكومة مقابل موجودات المشروع، وقامت الشركة بعمل إصلاحات واستصلاحات وإضافات بكلفة وصلت 12 مليون دولا أي بكلفة إجمالية بلغت 30 مليون دولار كرأسمال.
أن هذا الأمر إن حدث قد يؤدي إلى ضعف وتقليل الثقة في الاستثمارات الأخرى الحالية أو المستقبلية الموقعة مع الحكومة والمستثمرين سواء المحليين أو الخارجيين مما يؤدي بالتالي إلى هروب تلك الاستثمارات خارج البلد.
وفي النهاية أكرر أنه من المفروض أن نفهم ، وان يعلم الجميع ما الذي يحدث ، فبدل من تجييش الناطقين غير المباشرين من الحكومة لماذا لا يتم الجمع بين الطرفين لفهم ما يجري والبحث عن الحلول بدلا من المزايدات هنا وهناك ، وأن نبحث عن مئات الأردنيين الذي سوف يصبحوا عاطلين عن العمل.
وعلينا أن ننتبه جيداً بأن لا تكون هذه الشركات هي كبش الفداء الذي سوف تقدمه الحكومة عربوناً للشعب باسم محاربة الفساد هذا العربون المحفوف بخراب بيوت الأردنيين.
د. خالد جبر الزبيدي
31/5/2011