ما بعد اللباس والخلع!

يشترك الكثيرون في ظاهر العبادة ويختلفون في حقيقتها ومضمونها وما هذا بقليل اذ أن أعمال القلوب هي المفتاح لقبول أعمال الأبدان ومصداق ذلك حديث رسول الله صل الله عليه وسلم عندما أمر رجلا أن يعيد صلاته "اذهب فصل فإنك لم تصل" بالرغم أنه أدى الحركات و لكن قلبه لم يقم بإقامة معنى الحركات و ما تنطوي عليه من اطمئنان و سكينة و خشوع، و بمثل هذا ينسحب الأمر على جميع العبادات بأن لها قلبا و قالبا و صلاح قلب المتعبد عند الاداء مقرون بقبول العبادة، و كما أن القلوب تختلف في بصيرتها و فهمها و اقبالها فكذلك تختلف العبادات، وكأن لكل امرىء حظه المختلف من العبادات ونسخته المتفردة التي سيحاسب عليها فبلال مثلا تفاعل مع الوضوء و الصلاة تفاعلا استثنائيا فكان يصلي بكل وضوء ركعتين فسن سنته الحسنة بركعتي الوضوء، وكذلك كان للسيدة عائشة رضي الله عنها عاداتها المميزة في الصدقة و العطاء، ولعمر نسخته المتفوقة في تطبيق العدل والعدالة ومدحه الرسول فقال ما رأيت عبقريا يفري فريه، فهي ذات التكاليف تُفرض على جميع الناس فيتمايز السباقون و المحسنون والمتنافسون والمقنطرون ويتمايز القبول وعلى إثره تتمايز الأجور.

و باختلاف حظ البشر من الأخذ و الغرف و النهل و الانتفاع من روح العبادة بحسن ادائها تختلف درجاتهم و حسابهم فالمرء يحاسب على كيفيه أخذه بالتكاليف فردا، ان بقوة و احسان او ضعف و تفريط؟

و في الوقت الذي نحب لمن نحبهم مزيد اقتراب من الله وأخذا بالفرائض ، مع عدم الحكم على اخلاقهم و قلوبهم ان لم يفعلوا او قصروا،الا أن إعراضهم لا يجب ان يُذهب نفسنا حسرات و لا يثنينا عن التذكرة كلما هبت رياح الفرصة، ولكن في المحصلة علينا بذات أنفسنا و ذات اتباعنا و ما هي القيمة الإضافية التي قدمناها بالتزامنا؟! فالمحجبة لن تُسأل عن القماشة التي وضعتها على رأسها فقط فهذا ظاهر العبادة كحركات الصلاة و ما وراء الظاهر قلب أدرك كنه الفريضة و اقتنع بها فسارت صاحبته به مفتخرة و حملت رسالته بثقة و أدت وظيفته في المجتمع بنجاح، وباختلاف نفوس البشر تختلف صور التطبيق فيكون، ان صح الفهم و التطبيق، لدينا صور جميلة و متعددة عن معنى الحجاب و رسالته و انجازه ويصبح التفوق جزءا من رسالة الحجاب و تصبح الفعالية جزءا من رسالة الحجاب و تصبح الرحمة و التعاون و المبادرة كلها من الأخلاق التغييرية التي تتكامل مع الحجاب.

فلحجاب الطبيبة رسالة و لحجاب المعلمة اخرى و لحجاب الشابة رسالة و لحجاب الكبيرة اخرى و لكل اضافته و بصمته المتفردة في تعظيم الصورة و تنويعها و امتزاجها بمحاور الحياة.

إن من تتمثل هذه المهمة ينتظرها أدوار جلل ستشغلها عمن ارتدت او خلعت او اقتنعت او رفضت او بررت او سكتت، و هذا لا يعني نسيان دعوة الناس الى الخير و محبته لهم، و لكنها بالنهاية ستذكر أنها محاسبة عن حجابها هي و ما فعلت به و كيف قامت بحق الفريضة فيه و حق التمثيل و التمثل بآدابه و حق السفارة و الدعوة بالأخلاق و الموعظة الحسنة له.

انظري للحجاب و كأنه نزل لك دون غيرك و خصك الله بالتشريف و التكليف دون غيرك فماذا ستكون اضافتك؟ ليس كل من لبست قد لبست، و قد يكون للمرء من عبادته كلها او نصفها او ثلثها او عشرها و قد لا يكون له منها شيئا فترمى كخرقة بالية في وجهه!

لا ينفعك ايتها المرأة المسلمة من لبس الحجاب ان انت خلعت و لا يضرك من خلع ان انت لبست و لا ينقصك من فرط ان أنت أخذت بقوة و لا يزيدك من أخذ بقوة ان أنت فرطت.