"أنا ماش ساهل"



هكذا تنتهي سنة 2016، أنكد سنوات العرب.

السنة التي انقسمنا فيها، نصفنا شهداء ونصفنا الثاني قتلى.
وصار مصيرنا يُقرَّر (علانية هذه المرَّة ) خارج عواصمنا، فمثلاً يجتمع وزراء خارجية موسكو وتركيا وايران ليقرروا بخصوص الوضع السوري دون حضور ممثل عن سورية، .. هكذا بكل بساطة !
هكذا ننتهي، وننسحب من الجغرافيا .. بعد أن انسحبنا منذ زمن طويلٍ من التاريخ !
رغم ذلك .. رغم كل هذا الموت والقتل والترويع والدمار، رغم هذا المحو لبشر وبلاد كاملة، تخرج علينا إحصائية موجعة عن أكثر شيء بحث عنه العرب على "اليوتيوب” خلال العام 2016 وإذا به أغنية سعد المجرد "أنا ماش ساهل” !
هذا كان أكبر همومنا، وأكثر ما شغلنا في البحث عنه في 2016 وفق إحصائية دقيقة.
ربما يبدو الأمر هامشاً إزاء المتن، ولا يستحق الإلتفات من وجهة نظر البعض، لكنه في الحقيقة هو المتن الفعلي، .. فما قادنا الى الوضع الراهن سوى أزمة العقل والتفكير.
حين يموت الناس من حولك ومن ورائك ومن قدّامك وأنت تبحث عن أغنية، فهذا يعني أن ثمة أزمة حقيقية في الوعي.
لم يشغلنا قراءة ما يُخطَّط لنا، لم نبحث في خلفيات العدو، لم نحاول قراءة "داعش” وكيف غزت بيوتنا وأسرت عقول ابنائنا، لم نقرأ في الفكر ولم نبحث في الدين او السياسة .. بل كان همّنا الأول والأخير سعد المجرد !
أسلمنا قيادتنا إلى غيرنا، وصرنا محط شفقة العالم، فيخرج وزير ألماني ليقول " ما يحدث في حلب عار علينا” .. ونحن نسمع الأغنية !
تقضم القوميات المجاورة الطامعة بلادنا مدينة تلو أخرى، وبلداً بعد آخر، وتنهب عواصمنا، ويتمختر "سليماني” في حلب كأنَّه يعيد أمجاد امبراطورية فارس .. ونحن نسمع الأغنية !
ينام نصف الشعب العربي في ليبيا وسورية والعراق وغزة واليمن في العراء . في العراء تماماً . تحت الثلج والقذائف .. ونحن نسمع ونستمتع بالأغنية !
وكأنّنا نحنُ عدوُّنا !!
نحن من يتآمرُ علينا.
ثم نتهم الغرب والكافرين بأنهم أعداء هذه الأمة وهذا الدين !
الغرب الذي هو بالمحصِّلة لا يرانا، وإن فعل فمن باب الإشفاق والمساعدات ،.. ولا يسمع هراءنا أو يأخذنا على محمل الجد ونحن نردد بعنفوان وشموخ " أنا ماش ساهل” !!
مع اننا كنا في هذه السنة في غاية السهولة !
ولم يكن صعباً على أحد التدخل في شؤوننا وفي سياساتنا وفي عواصمنا التي أغلبها بات محتلاً بشكل سافر !
كم سنة، أو كم من عشرات السنين ومئات الكتب والمفكرين سنحتاج في السنوات المقبلة لشرح أن ما حدث باسم الإسلام ليس هو "الإسلام” ؟!
وأي عطار سيصلح ما أفسده العرب والمسلمون.
من الذي أودى بنا الى هذه القاع السحيقة، كلنا نعرف .. ولكن من يجرؤ على القول ؟! من يستطيع تحمل الرجم وتهمة الإلحاد، من يقدر على المواجهة؟
..
ترحل سنة صعبة. وسنرى أغلب الظن سنين عجافاً أخرى، وأكثر نكداً على الحرّ . ما لم يظهر من يفكر لهذه الأمَّة ويتداركها، إن كان ثمة ما يمكن تداركه، .. فنحن فعلا بحاجة من يفكر لنا، بحاجة عقل عربي، والإسلام أيضاً بحاجة عقل يفكر له، وينجو به مما أُعِدَّ له.
..
كانت سنة هي الأسوأ منذ عقود، لكنَّ ليس هناك ما يدل أبداً على أن السنة المقبلة أقلّ سوءاً.