عباس مجاهد وقراءة في قصيدة ( أعداء النجاح ) ل إيمان مصاروة :

اخبار البلد-


إن مصاروة تخوض معركة التجديد، وخصوصا أنها أدركت أن الحداثة الشعرية لها جمهورها وحضورها ، ومصاروة أسهمت إلى حد كبير في تطور حركة الشعر الفلسطيني الحديث ونالت مصاروة كثيرا من الاحترام والتقدير وخصوصا من الجماهير والقراء في فلسطين وفي سائر البلدان العربية التي زارتها ، وهي شاعرة لا تجامل ولا تداهن ولا تعرف الرياء ، وتنطلق دائما بما يمليه عليها ضميرها الفلسطيني الحر الشعري والإنساني . وظلت مواقفها ناصعة دائما ، فوقفت في شعرها إلى جانب المقهورين أينما كانوا ، وظلت في جلّ دواوينها تجدف ضد الظلم ، وهي كثير تحس بالغبن والجحود والنقيق ويتقصدون إثارتها أعداء النجاح للدخول معها في صراع مفتعل :
هم كالضفادع لا يملّون النقيق
بدون ما سبب
ولا يملون النعيب
بدون ما سبب
يحدقون إلى النجوم بنظرة شزراء
وقد حظيت تجربة مصاروة اهتماما كبيرا في الصحافة العربية وفي المهرجانات المحلية والدولية وفي السياق الثقافي الفلسطيني والعربي ،وعلى الجامعات العربية أن تلتفت إلى تدريس قصائد مصاروة في مساقاتها وعليها أن تدفع بطلبة الدراسات العليا لتناول شعرها لغة ونقدا ودلالة ..... لأن المؤسسة الأكادمية إن لم تلتفت إلى مصاروة وعبقرية تجربتها هذا مؤشر إلى خراب خطر يعشعش في أقسام اللغة العربية وآدابها في جامعات الوطن العربي .
ومن حق مصاروة أن تعتب على حسادها ، لأنهم خرجوا إليها بسيف الحقد ولديهم نكران جاحد ، ومصاروة أدركت أنهم يكتبون زبدا وجفاء وهي تكتب ما ينفع الناس وما يمكث في قلوب العاشقين ، تقول :
هم يكتبون قصائد عصماء
في مدح الخطيئة
والخطيئة سلوة الأغراب
وتقول :
القبح يرفع رأسه
ويسير كالطاووس
في هذي الرياض المترعات
بكل أنواع الحقود.
ومصاروة في قصيدتها هذه أرادت أن تكتب شعرا حداثيا مؤثرا منسجما مع وعيها وتجربتها وثقافتها الأصيلة فرسخت أبعادا جديدة وسمات جديدة للشعر الفلسطيني الخالد الأصيل ، هي شاعرة نبيلة خلوقة قبل كل شيء ولكنها تتحول في كلماتها إلى ذئب لو أحد مسّ ثوابتها الروحية والوجدانية الموجهة في تجربتها إلى قلوب الجماهير والقراء ، وهذا الذي مسها تصفهم بالساقطين :
ولا يخافون السقوط
لأنهم سقطوا مرارا
في وحول القبح
واعتادوا حكايته بكل فصولها
سحقا لكل الساقطين .
شاعرة مستقلة بكل معنى الكلمة وقصيدتها سرب من المعاني الشجية ، وشعرها سهل ممتنع طالما دعت منه إلى التبسم والبعد عن الكره ، تقول
كيف تبتسم الحياة
إذا كرهنا الياسمين .
وفي هذه القصيدة تذكرني مصاروة بما قاله لي الشاعر الكبير عز الدين المناصرة حين التقيته في جامعة فلادلفيا في الأردن العظيم ( هذا ما يزعج كلاب الصيد ) ، وبهذه القصيدة تعرف مصاروة بصلابتها وتنوع مواجهاتها السجالية والحوارية التي تأخذ شكلا أدبيا ، وها هي تخرج في هذه القصيدة من معركتها منتصرة فهي تمتلك سخصية صبورة جدا فلم تذكر خصومها من الأدباء والكتاب لأنها لا تريد أن تفقد صداقاتها معهم ، وكأنها بهذه القصيدة تطلب منهم أن عودوا واكتبوا بجدوى واحلموا بجدوى ، تقول :
وما اقتربوا إلى لد العبير
ولا دروا معنى الحنين
هم يكتبون بغير جدوى
ينظرون بغير جدوى
يحلمون بغير جدوى
يكذبون بلا سبب .
ومن يقرأ قصائد مصاروة ولا يعرفها يتهمها بالنرجسية والغرور بسبب صراحتها في قصيدتها ، إلا أن الحقيقة أن مصاروة مليئة بالنبل والتواضع ، وإن أردت أن أكون منصفا أقول : أن حسادها وأعداء نجاحاتها المتتالية هم نرجسيون ويفكرون بصوت عال فيستأجرون من يتحدث عن عبقريتهم ، فمصاروة لا تملك مالا أو حزبا أو منصبا أو جاها كي تستأجر من يتغزل بها أو يمدحها ، وهي تسير على قاعدة ???? ما حكّ جلدك مثل ظفرك ) ، وهي تأخذ حقها بيدها في وجه أهل النقيق والنعيب والتحديق والخطيئة والحقد والمكيدة والخنق والخيبة والقبح والسقط.
وأرادت مصاروة من هذه القصيدة أن تضع النقاط فوق الحروف ، وميالة إلى أن لا تفهم آراؤها على غير ما تقصد ، فمصاروة هي حارسة نصها الشعري ، وها هو شعرها ينخرط في الحركة الشعرية العربية الحديثة بفاعلية وتميز ، لأن الأغنيات والقصائد لعبتها الصغيرة ، تقول :
لاجيء للأمنيات
كشاعر خنقوا قصائدة
فسلّى نفسه بالأغنيات
وتحاول الشاعرة منذ بدء القصيدة أن ترسم مشهدا طبيعيا من العديد من العناصر ???? الضفادع ، النجوم ، البياض ، الياسمين ) وتسعى من خلال هذه العناصر إلى بناء طقس شعري وإضفاء روح الشعر على هذه العناصر من خلال تآلفها وتآزرها وبعبارة أخرى سعت مصاروة في قصيدتها إلى شعرنة الواقع وتفاصيله الحية .
واعتمدت الشاعرة في قصيدتها على الجمل الخبرية والإنشائية والإتكاء على الصورة الفنية ، فالقبح يرفع رأسه ، ويسير كالطاووس .....

والرمز هو أحد العناصر التي ساهمت في تشكيل البنية الفنية والجمالية لهذه القصيدة ، وكأن مصاروة أدركت أن الرمز أداة فنية هامة تساهم في عملية التطور الداخلي للقصيدة ، وتتكون البنية الرمزية في قصيدتها من رموز متعددة ومتنوعة الدلالة فالرموز من الطبيعة واضحة وشفافة ( الضفادع ، الياسمين ، الطاووس ، الهواء ).
وإذا ما أخذنا الحصيلة الفنيةالإجمالية العامة لكل شطرات القصيدة ولبنيتها الفنية العامة فإنها تؤكدعلى أنها زاخرة بالقيم الفنية الجمالية المدهشة على صعيد الرؤية والتخيل وبناء الصورة واستخدام اللغة .
أما لغة الشاعرة فهي لغة فنية موحية ومشرقه يتخللها العديد من الانزياحات المدهشة كقولها ???? القبح يرفع رأسه ، لا يخافون السقوط لأنهم سقطوا مرارا ، تعبث بالبياض إذا تبدى ، يحاربون بلا سبب طواحين الهواء ... )
وغالبة مفردات القصيدة تمتاز بالوضوح والسلاسة والبساطة ، وفيها اقتراب من لغة الحياة اليومية ???? يكذبون بلا سبب ، بدون ما سبب ، سحقا لكل الساقطين ).
والعمل الإبداعي لا يعامل كمسألة رياضية بحتة ، فالعمل الشعري بناء معماري مادته الكلمات ، ولا بدّ من الأخذ بالاعتبار الجوانب الاجتماعية والثقافية والحضارية كافة التي تتصل بها الشاعرة وتتحاور معها ، كما أن لطبيعة المتلقي وقدراته ودوافعه وظروفه الزمانية والمكانية أثرا كبيرا لا يجوز إغفاله ، وتطبيق المقياس التشريحي لتلمس العناصر الابداعية في بنية أية قصيدة يبقى عملية كمية تحليلية تهدف إلى تحديد عدد من الملامح الاساسية للناتج الإبداعي وتحديد مدى كثافة عناصر الإبداع فيه ومصاروة لا تحتاج إلى مساحة قيزيقية جغرافية تعيش فيها لكنها تصبو إلى رقعة تضرب فيها بجذورها وتتأصل فيها هويتها فهي دائمة الحضور والتأثير في الفرد ، ونهاية القول مصاروة أرادت من هذه القصيدة أن توصل رسالة لحاسديها ، وهذه القصيدة ليست من الموضوعات الضاربة في شعرها لأن مصاروة جلّ شعرها يكمن في استرجاع الوطن المغتصب وتحاول في كلّ نصوصها رسم صورة لوطنها وتحاول رسم كلّ ما هو ممتع وجميل