من الكرك الى انقرة وبرلين: خيط الارهاب يربط بين الجرائم الثلاث


في يومين متتالين، الأحد 18 والاثنين 19 كانون الأول (ديسمبر) وقعت ثلاثة اعمال ارهابية في ثلاثة أماكن متباعدة، وفي ثلاث دول اثنتان منها في الشرق الاوسط والثالثة في اوروبا. كان الحادث الأول في مدينة الكرك في الأردن، والثاني في العاصمة التركية انقرة والثالث في العاصمة الألمانية برلين. ورغم المسافات البعيدة بين هذه الأماكن فان ثمة صفة مميزة تتسم بها كلها، الا وهي وجود لاجئين سوريين فيها لجأوا اليها جراء التهديد الذي تمثله الحرب الأهلية في سوريا بالنسبة اليهم. ولكن من هم مرتكبو تلك الافعال الارهابية ولماذا استهدفوا تلك البلدان الثلاثة؟


انقرة

لنبدأ بتسليط الضوء على منفذ عملية اغتيال السفير الروسي في انقرة وعلى دوافعه المحتملة: انه عنصر من القوة الخاصة في شرطة العاصمة التركية في الثانية والعشرين من عمره اسمه مولود ميرت الطينطاش. صرخ اثناء اطلاقه الرصاص على السفير اندريه كارلوف بعبارة الله اكبر، وبعد ان أرداه قتيلاً بثماني رصاصات قال: «نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما دمنا على قيد الحياة». وصرخ: «لا تنسوا حلب، لا تنسوا سوريا» وصرخ ايضاً: «كل شخص له يد في هذا الظلم سيدفع الثمن». وأعلن انه لن يخرج من القاعة «إلا ميتاً» وقال صارخاً: «ما لم تكن بلادنا في أمان، فانكم انتم ايضاً لن تتذوقوه».

وقد جاءت عملية اغتيال السفير الروسي في انقرة الاثنين عشية اجتماع من المقرر عقده في موسكو الثلاثاء بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وايران، وهي قوى على صلة بالحرب الدائرة في سوريا.

وكان مسؤول أمني تركي كبير ذكر أن ثمة «دلائل قوية للغاية» على أن المسلح الذي قتل السفير الروسي ينتمي لشبكة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن الذي تقول أنقرة إنه دبر انقلاباً فاشلا في تموز (يوليو) الماضي. لكن حركة غولن دانت اغتيال السفير الروسي ونفت اي تورط في العملية.

لقد بدا القاتل الطينطاش في شريط الفيديو الذي صور جريمته مشحوناً بالغضب ومصمماً على عدم الخروج من مبنى المعرض الا ميتاً. اعلن انه «جهادي» بدليل قوله «نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما دمنا على قيد الحياة». «نحن»؟ هلكان يتحدث باسم جماعة؟ قد لا تكون هذه جماعة غولن المناوئة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان بدليل ادانتها لعملية الاغتيال ونفي اي صلة لها بالعملية. ثم هناك قوله: «اذا لم تكن بلادنا في أمان، فانكم انتم ايضا لن تتذوقوه». «بلادنا»؟ تركيا؟ ام سوريا؟ لقد قال «لا تنسوا حلب، لا تنسوا سوريا». هل اعتبر ان لا فرق بين سوريا وتركيا بحكم الرابطة الاسلامية، او بحكم رابطة تنظيمية؟ هل انتمى الى «داعش» وتلقى امراً بتنفيذ الاغتيال، ام كان «ذئباً منفرداً» تطوع لفعلته من تلقاء ذاته؟ تبقى هذه الاحتمالات – وغيرها – مفتوحة في الوقت الحاضر من دون اجابات شافية.

الكرك

أما في الكرك فقد تمكنت قوات الأمن من القضاء على الارهابيين الاربعة الذين ما زالت سلطات الأمن تحقق في هوياتهم وانتماءاتهم ولم تعلن في هذا السياق سوى انها تحمل المسؤولية لجماعات إرهابية. ومن اللافت ان سلطات الأمن الأردنية عثرت على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر في حوزة الارهابيين وعلى سترات انتحارية ومتفجرات في المنزل الذي اقاموا بداخله في بلدة القطرانة بالقرب من الكرك. ويدل هذا على ان الارهابيين ينتمون الى تنظيم كبير لديه قوات مدربة ومدججة بالأسلحة وأدوات الإرهاب. وعلى الرغم من استشهاد سبعة من مرتبات الأمن العام من بينهم المقدم سائد المعايطة وثلاثة من مرتبات الدرك ومواطنين اثنين وسائحة كندية، إلا ان الخسائر في الارواح كان يمكن ان تكون اكبر لولا سرعة استجابة قوات الأمن والدرك وتصديها للارهابيين بسرعة وشجاعة وكفاءة عالية.

الأمر الآخر الملفت الآخر هو خروج مئات المواطنين في الكرك الى الشوارع وباتجاه القلعة اثناء تصدي قوات الأمن للارهابيين معربين عن استعدادهم للدفاع عن مدينتهم وأهلها وزائريها ضد الاهابيين. وكان بعض هؤلاء المواطنين مسلحين. وعلى الرغم من ان قوات الأمن لا تحبذ تدخل المدنيين في عملها، ولا يجب ان يتكرر ذلك، فان خروج المواطنين بهذه العفوية الصادقة يبين ان الإرهابيين، اينما ظهروا في الأردن، سيكونون معزولين وأنهم قلة كريهة منبوذة، كما يبين ان الارهابيين لن يتمكنوا من دق اي اسفين بين المواطنين الغيورين على امن بلدهم وقواتهم الأمنية المدافعة عن أمن الوطن وسلامة مواطنيه.

لن يكون من الصعب على سلطات الأمن الأردنية التحقق في نهاية الأمر من هويات الارهابيين الاربعة الذين قتلوا في الكرك وانتماءاتهم، ومن الممكن انها توصلت الى معرفة ذلك لكنها تترك الإعلان عنه الى الوقت المناسب بعد التقاط كل خيوط هذه الجريمة الارهابية.

برلين

على الرغم من الكفاءة التي تشتهر بها قوات الامن والاستخبارات الألمانية فان منفذ العمل الارهابي في سوق عيد الميلاد في برلين مساء الاثنين ما زال فاراً، وقد تبين ان الشخص الذي قبضت عليه الشرطة، وهو طالب لجوء باكستاني عمره 23 عاما واسمه نافيد بلوش، لا علاقة له بالهجوم، حسب ما اعلن مصدر في الشرطة. كما تبين ان سيارة الشحن البولندية التي استخدمت في قتل 12 شخصا وجرح نحو 50 آخرين اختطفت وقتل سائقها البولندي الذي عثر على جثته في الشاحنة ولم يكن هو في موقع قيادتها وقت تنفيذ الجريمة الارهابية. وذكر مالك الشاحنة البولندي انه كان يتابع سير الشاحنة عبر جهاز «جي بي اس» قائلا ان السائق اجرى مكالمة مع زوجته حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر، ولكن الشاحنة بدأت بعد ذلك بالسير الى الامام تارة والى الخلف تارة اخرى ثم توقفت عن الحركة في الساعة السابعة و 40 دقيقة مساء وبدأت تتحرك بعد ذلك. وقد وقع الهجوم في الثامنة مساء بتوقيت برلين المحلي.

ومعنى ذلك ان منفذ الجريمة، او منفذوها، قتلوا سائق الشاحنة بعد ان قاومهم واستخدموا الشاحنة في تنفيذ عملهم الارهابي. وقد تعرف صاحب الشاحنة ارييل زورافيسكي على جثة سائقها القتيل لوكاش اربان من خلال الصور التي اطلعته السلطات الألمانية عليها وهي تظهره مطعونا بسكين ومقتولا برصاصة في الرأس ,واعلنت «داعش» مسؤوليتها عن الهجوم.

ماذا نستنتج من هذا كله؟

يبدو ان مواعيد تنفيذ الجرائم الارهابية الثلاث لا رابط بينها، ففي الكرك يبدو واضحاً ان الارهابيين الذين افتضح امرهم في القطرانة فروا من هناك بعد اطلاقهم النار على قوات الأمن الى الكرك قبل اكمال استعداداتهم لهجوم ارهابي من الواضح انهم لم يكملوا استعداداتهم له وربما كان سيستهدف عدداً اكبر من الابرياء في وقت لاحق كانوا سيحددوه هم. اما في انقرة فقد كان الضحية سفيرا استهدف لذاته لأنه يمثل روسيا وقد قتل لأنه كان «متاحاً» في ذلك اليوم وذلك المكان وتلك الساعة. أما في برلين فقد وفر وجود الناس بأعداد غفيرة في شارع واحد فرصة لتنفيذ جريمة ارهابية وقتل عدد كبير من الابرياء. وما زال منفذ الجريمة فاراً لكن تنظيم «داعش» أعلن مسؤوليته.

ان خيط الارهاب يربط بين هذه العمليات الثلاث في الكرك وانقرة وبرلين. ويبقى ان نضع نحن العرب والمسلمين استراتيجية توعية وتعليم تبقي الاسلام والعروبة في منجا من التلوث بتفكير الارهابيين الاجرامي الظلامي. ولكن هذا الموضوع الهام يستحق دراسات ومقالات تتطلب مساحات اوسع في مناهج التعليم وخطب المساجد وصفحات الجرائد وبرامج الاذاعات والتلفزيون. وقبل هذا يجب ان نوظف كل جهودنا للمساهمة في انهاء الحرب الطاحنة في سوريا فهي وبال على شعبنا السوري وكل شعوبنا العربية ولا تخدم الا اعداء الأمة العربية.

* كاتب وصحافي اردني، مؤلف كتاب «الأردن في الوثائق السرية البريطانية من 1953 الى 1957 – السنوات الخمس الأولى من عهد الملك حسين».