كرك..كيفما قرأتها !


لا اصعب من تبتسم وانت تبكي،او ان تنزل دمعتك على خدك ساخنة لتستقر على شفتين متشققتين وانت تلهج بالدعاء أن اللهم احمي الاردن من الغربان السود..خفافيش الظلام،خوارج العصر،ادوات الفتنة التي تنهش لحم الامة من شامها الى يمنها ، ومن عراقها الى مغربها .
الاحد الماضي ،وكما هم دائماً،توحد الاردنيون .قلوبهم نبض وطن ،اكتافهم جنباً الى جنب ،وعيونهم على ابنائهم من أمن ودرك يلاحقون ارهابيين سوّلت لهم انفسهم وشياطينهم أن يمسوا شعرة من هذا الوطن .يطلقون النار كالمجانين على من كان يتحرك،يهربون امام قوات الحق الى قلعة الكرك.ولم يعلموا ان الموت بانتظارهم وان الاردن والاردنيين في مواجهتهم في تلك اللحظة ،شعب وجيش وامن ودرك كلهم..كرك.
انهم لا يعلمون كيف هم الاردنيون حين يحدق بهم الخطر ،ولا يدركون كيف في ذاك الاحد الاسود،كان الاطفال يسألون والديهم:من هم هؤلاء؟ماذا يريدون منا؟ماذا يريدون من الاردن ؟وكانت الاجابة في عيون الاهل نار و غضب على الارهابيين وعلى من يريد هز أمن واستقرار الاردن .
اما الكرك ،فهم لا يدركون مكانتها عند الاردنيين ولا مكانها في التاريخ .قبل سنتين زرتها وقلت عنها :وأنت تتجه إلى الكرك لا تحمل شيئاً معك سواك .هناك أهل وتاريخ وجبال و وديان و سهل .ما أن يعلم صديق كركي من عمان أنك ذاهب إلى هناك حتى يعتب عليك لماذا لم تخبرنا يا رجل « وكما سيقول لك كل أصدقائك من عشائر الكرك الذين عشت معهم منذ طفولتك في الزرقاء وأكملت حياتك معهم في عمان و في مدن الاغتراب .ستقول لهم ما بتْقَصِّر و الخير بالجايات « . وبالفعل سيكون لك جايات كثيرة لتعرف بلدك أكثر ولتُعرِّف أبناءك بجمال الوطن وكيف جعلت منه يد الخالق قطعة جمال منذ نشأة الكون .وطن متصل جغرافيا و تاريخيا وعاطفيا بكل ما حوله ، عرب نحن رغما عن الحدود و التالول الذي شوَّه القلب… فلسطين !
هناك تمارس طقوس الحب بكل ما أوتيت من صدق.فالحب يمشي في الشوارع ويقف على أبواب المحلات ،يغطي الجبال و يزحف الى قلبك فتنتشي .تراه في عيون الناس وتلمسه في الأيادي التي تسلِّم عليك وتقرأه في تاريخ الكركيين الذين لم يباعد بينهم شيء ، مسلمين و مسيحيين إنهم أهل الكرك أردنيون عربٌ منذ كان التاريخ يحبو حتى شبَّ وشاب وظل الأخضر في القلوب رغم تقلب الفصول والعابرين والمارين في غفلة من الزمن .
الزمن العربي حاضر في الكرك منذ زمن المؤابيين الذين بنى ملكهم ميشع القلعة على ارتفاع 960 متراً عن سطح البحر العام 850 قبل الميلاد للآله كموش ، وتعاقبت على القلعة أقوام وأقاموا فوقها أبراجا أضخمها برج الظاهر بيبرس، وكانت القلعة نقطة انطلاق سواء للفاتحين أو الغزاة، باعتبارها إحدى بوابات بلاد الشام ونقطة اتصال مركزية بين شمال الارض و جنوبها . يوجد في القلعة مسجد و كنيسة وفي هذا مدلول راسخ كصخر الكرك بأن الدين لله و الكرك لكل أهلها، وهذا ما تراه وتسمعه من الناس هنا عن اللافرق بين كركي و كركي إلا بالانتماء للأرض التي ظلت تنجب القمح و الخير و الحب على مرِّ العصور .
لا بد أن تزور مؤتة التي قرأت عنها منذ أن بدأت تتهجَّى حروف المدرسة، وعن جعفر الطيار الذي استبسل في تلك المعركة العظيمة ضد الروم، وكيف حمل الراية بيده اليسرى حين قطعت اليمني، وكيف ضم الراية بصدره حين قطعت اليسرى. تزور ضريح جعفر .
ها هم الاردنيون ايها المارقون عن الوطن والدين .ها هي الكرك وقلعتها،نفسها الكرك الابية تبقى كما هي سواء قرأتها من اليمين الى اليسار او من اليسار الى اليمين .