حين لملمتنا قلعةُ الكرك



ذهب الفتيةُ إلى ربهم بعد أن لملمونا بدمهم ..! لا تحسبوا أنّ قلعة الكرك هي مجرّد آثارٍ و سياحة ..بل هي تعرف كيف تحضر التاريخ معها لحظة المعركة ..تعرف كيف تطفئ بردنا و تشعل نار وجدها بنا ..فتسرقنا من هجمة هتافات (الوحدات والفيصلي) الأخيرة التي تريد بنا سوءاً وتعيدنا إلى خوفنا على الوطن فنرمي أنفسنا بحضنه ممسكين بزناره ..رعباً من أن يهرب ثانيةً منّا ..!
ها هم الفتيةُ ..وعدوا حبيباتهم ( بالكزدرة) تحت المطر والثلج على أنغام فيروز ( تلج تلج عم بتشتي الدنيا تلج ) ..وعدوا أمهاتهم بأن لمّة العيلة على المقلوبة والمنسف هذا الأسبوع عليهم ..وعدوا زوجاتهم بأن هذا العام سيكون عام انتهاء الديون وأنهم سيشترون لهنّ الحلقَ والخاتم والإسوارة اللواتي وعدوهنّ بهنّ..!
وعدوا الحارات والأزقة وهم يمشون فيها بلباسهم المليءِ بالحكايات والتفاصيل ؛ بأن يعودوا إليها لكي يرسموا فيها حكايات وتفاصيل جديدة ..! وما درى الفتيةُ بأنهم سيصبحون هم الحكايات كلّها والتفاصيل التي لا تنتهي ..!
هم يعرفون ساعة الحقيقة، أنه ليس لوطنهم إلاّ هم ..هم متأكدون بأنهم لحظة الحسم لن يروا فيها من يشاركهم التعفّر بتراب الكرك ..هم الفتيةُ المكتوبُ على جبينهم لحظة الميلاد : تعيشون في أوطانكم وسط الأهل و العشيرة، ولحظة الشهادة تموتون ابطالا أيضاً. زغاريد الأحباب حين تصل رائحة الدم الطازج وهو ينثر مسكه على كلّ ذرة ترابٍ من الوطن الحزين ..!
لله دركم أيها الفتية الباقون ..الذين يقسمون بدم الفتية الذين رحلوا : أن يبقوا يحرسون عين الوطن و يظلّوا يكحّلونه..!! وستبقى الأوطان تحتضن ابناءها بدفء الأمّ التي تهدهده كي ينام ويحلم بالعزة والكرامة فقط.