القرصنة المعلوماتية حرب العصر الحديث


 

 

اتهام الرئيس باراك أوباما روسيا بأنها قامت بقرصنة معلوماتية خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية جدي وخطير. فعلى رغم نفي الجهات الروسية ذلك، إلا أن هناك أدلة أظهرتها وكالات الاستخبارات الأميركية. يقول خبير المعلوماتية جاستن هارفي أن برنامجاً يسمى dropper أدخل على كومبيوتر الحزب الديموقراطي وقرصن الرسائل الإلكترونية للناطق باسم المرشحة هيلاري كلينتون.

 

 

ظهرت على البرنامج بصمات روسية، فمنطقته الجغرافية المعدة مسبقاً هي روسيا، وهو مبرمج على ساعة موسكو، ويحمل في نهايته توقيع روسي. وقد أرسل هذا البرنامج الرسائل الإلكترونية التي تمت قرصنتها إلى عنوان في الخارج. ويذكر الحدث بالقرصنة الضخمة التي تعرضت لها عام 2012 كومبيوترات شركة «أرامكو» السعودية العملاقة للنفط، وعطلت لمدة عشرة أيام 30 محطة عمل للشركة.

 

 

الحرب المعلوماتية مخيفة وتمثل خطراً كبيراً على العالم الحديث. فقد أصبح كل العالم مرتبطاً بالشبكات المعلوماتية، وعملية القرصنة تهدد الدول وقطاعات العلوم بكاملها من الطب إلى الطيران والقطارات، وكل ما يمكن التفكير فيه من تخريب كارثي لما يخص الإنسان في العصر الحديث.

 

 

ليس التجسس عبر القرصنة جديداً، لكنه جديد نسبياً وأخطر على صعيد المعلوماتية. فمثلاً هل يتصور أحد كمية المعلومات العالمية المخزنة في «كلاود» شركة «آبل» المعلوماتية وإمكان قرصنتها في شكل أكبر مما حدث سابقاً. إن ما قامت به روسيا على كومبيوتر الحزب الديموقراطي الأميركي يمكن أن يتكرر من دول عدة أو من خبراء معلوماتية يريدون الإساءة إلى غيرهم أو ضرب قدرات سلاح متقدم واستخدام القرصنة لتعطيله أو تحويل مساره إلى أهداف أخرى.

 

 

هذه الحرب الجديدة مدمرة ومكافحتها صعبة جداً، وتصحيح الخلل الذي تدخله هذه القرصنة بالغ الصعوبة، رغم كل التقدم الإلكتروني الذي أحرز في العالم الحديث. والدول الكبرى في العالم التي مكنت هذا التقدم المعلوماتي تجد ذاتها، وفي طليعتها الولايات المتحدة، عرضة لسلاح صنعته وطورته. فالغرب وروسيا والصين وكوريا كلها دول أصبحت في مقدم صانعي الآلات الإلكترونية واستخدام المعلوماتية في جميع المجالات. إنما ما زالت ضعيفة في ردع القرصنة، ولو أن برامج الأمن الإلكتروني تطورت في شكل كبير. ما زالت المواقع الإلكترونية معرضة في شكل كبير للقرصنة، إما لأهداف سياسية أو لأهداف علمية وسرقة معلومات واكتشافات. «ويكيليكس» مثلاً كانت فضيحة قرصنة للإدارة الأميركية.

 

 

مما لا شك فيه أنه لولا المواقع الإلكترونية والتقدم المعلوماتي لما تمكن العالم من مشاهدة الأعمال الوحشية التي يقوم بها جيش النظام السوري والقوات الروسية وميليشيات إيران و «حزب الله» بحق الشعب السوري منذ سنوات. وهذه ضمن إيجابيات كبرى للتقدم المعلوماتي لأنه يفضح الجرائم، حتى ولو لم يحاكم مرتكبوها، لكنهم سيبقون في تاريخ بلادهم مجرمي حرب. فمثلاً استطاع العالم أن يشهد جرائم بشار الأسد، في حين أن جريمة تصفية حماة التي ارتكبها والده حافظ مع شقيقه لم تصور مثلما يحصل الآن، لأننا لم نكن بعد في عصر المعلوماتية.

 

 

التقدم المعلوماتي فرصة ذهبية للمجتمع الحديث، وينبغي أن ينتشر إلى العالم الفقير وفي الدول النامية كلها، لكنه سلاح ذو حدين، إذ إن الحرب الإلكترونية خطر كبير على القطاعات الحيوية التي أصبحت الآن تعتمد في شكل كبير على هذا التقدم. وكلما أحرز تقدم، ابتكر المخربون تقدماً لقرصنته والنيل منه بطريقة تقنية متطورة. وفي منطقتنا التي تشتعل بالحروب، يبقى خطر الحرب المعلوماتية وارداً بقوة.

 

 

للكاتبTags not available