الإسلاميون والبراغماتية
يمكن وصف ما يحدث من حراك في فكرالجماعات الإسلامية خاصة الإخوانية منها محليا وعربيا بالخروج منها أوعليها بإنه نزوع جاد نحو لعبة السياسة بشروطها واستحقاقاتها ضمن فن الممكن.
قبل سنوات قليلة فقط كانت الجماعة تصر على أنها تعمل في اطار الإصلاح الاجتماعي والتربوي التدريجي امّا العمل السياسي للإمساك بالسلطة بدا أنه تهمة تدفعها في العلن وفي السر تهفو اليها وفي الواقع كانوا يتقلبون بين المكر وتيه السياسة. بقيت الدعوة الى ممارسة السياسة بعيدا عن الشأن الدعوي بمثابة خروج عن العقد الناظم لعمل الجماعات ولطالما اعتبر من ينادي بهذا خارجاعن فكرهم حيث كانت المفاهيم الخاصة بهم مثل الخلافة والدولة الاسلامية والشورى لافتات تخفي خلفها الكثير حتى وصلنا اليوم الى أن يخرج علينا بعضٌ من رموزهم ومفكريهم ليمارسوا نقدا ذاتيا علنيا داعين إلى ترسيم الحدود بين الدعوي والسياسي.
في الوقت الذي كانت فيه الجماعة تفرض نهجا فكريا واحدا يحكم الأطر في كافة الأقطارفإن الإختلاف في السنوات الأخيرة خاصة منذ الربيع العربي تجاه العمل السياسي والمشاركة في الحكم لم يعد يخضع لاعتبارات تقليدية بل فرضته شروط اللعبة السياسية في القطر نفسه وطبيعة نظام الحكم فيه.
أضحت التجربة اليوم في الأقطار المتباينة تحتكم للعوامل الموضوعية والبيئة المحلية فقد تفوز في قطر وتفشل في أخر فتقدّرهنا وتدان هناك.
لدى العرب بدت التجربة في تونس والمغرب تستحق التقدير نسبة لما لمسه الناس من إنجازات مما دفع الناس لتجديد البيعة لهم في المغرب بفوز مستحق واكبرت تجربتهم في تونس من خلال مشاركتهم البناءة في ترويكا السلطة.
بدا أيضا أن الجماعة في البلدين تستوعب أصول اللعبة التي تقتضي المشاركة والانصهار في الموزاييك الاجتماعي بكافة اطيافه والتعاطي بموضوعية مع مختلف ألوان الطيف السياسي فالولاء أولا وقبلا للوطن ثم أن أنظمة الحكم لن تسمح بسيطرة طيف أحادي اللون في المجتمع ولو من قبيل أن تحفظ لنفسها دور الحكم –بفتح الحاء-والراعي لكل المكوّنات.
أردنياً وبعد أن انجبت الجماعة وفرّخت نجد أن الدعوة لفصل السياسة عن الدعوة باتت حديث النخب الإسلامية نفسها دون وجل او خجل فلم تعد مفاهيم البيعة والولاء تقلق أحدا.
المشاركة في الانتخابات الأخيرة لم تفرضها القناعة بقدر ما كانت دفعا لتهمة الحرد غير المنتج مثلما غاب الشعار الخالد –الإسلام هو الحل – نهائيا من الخطاب ولم نلمحه حتى في لافتة واحدة وتجلت البراغماتية بالتحالف مع الاغيار وعندما كان الشارع يندد باتفاق الغاز بدا أن التهادن مع السلطة له الأولوية امّا مصطلح الدولة المدنية المرفوض قطعيا قبل قليل وطالما اعتبر–نقيض الدولة الدينية- فلا بأس أن نجمله بعض الشيء كي يبدو قي السياق كما أن نتائج الانتخابات نفسها وطنت النفس عند قدرها.
لعبة السياسة ليست مباراة رياضية يفوز بها دائما طرف واحد بل هي لعبة شائكة ليس من السهل تحديد اعتبارات الفوز والخسارة فيها وهي إقرار بمشاركة الجميع في الوطن والعمل من أجله من هنا فإن الخطاب ينبغي أن يصاغ من جديد ليقنع قواعد الإسلاميين من جهة و الشركاء الأخرين في الوطن بأن-الإسلاميين- ملتزمون قواعد اللعبة ضمن الأطر الوطنية دون استقواء فصيل على أخر.
الدوحة- قطر