تحولات أردوغان



تطرح التحولات التي قادها أردوغان في توجهاته الداخلية وسياساته الخارجية أسئلة كثيرة أهمها يتعلق بهوية تركيا، هل هي أوروبية أم شرقية؟ هل يستطيع النظام الذي ما زال في طور التشكل استيعاب الطوائف والإثنيات التي تعيش في هذا الحيز الجغرافي ولها امتداداتها في الخارج؟ هل يستطيع حزب «العدالة والتنمية» استيعاب المتغيرات التي أحدثها «الربيع العربي» في المشرق خلال العقد الماضي؟

 

 

التوق القديم الجديد إلى الحداثة الغربية، والسعي المضني إلى دخول الاتحاد الأوروبي لم يعد من أولويات أردوغان. اكتشف الزعيم (السلطان) أن كل ما يريده الأطلسي من تركيا البقاء أداته الحربية في العالم العربي، وخط الدفاع الأول عنه في مواجهة الاتحاد السوفياتي السابق وروسيا بوتين الآن. وأن يشكل جبهة أخرى في مواجهة إيران ومنعها من أن تصبح قوة إقليمية عظمى يمتد نفوذها من طهران إلى بيروت مروراً بدمشق وفلسطين، فتورط مبكراً في الحروب السورية لمنع طهران من تحقيق هذا الهدف، مستغلاً التوجه «الإخواني» لـ «الربيع» الذي حظي بدعم أميركي وأوروبي، على المستويين السياسي والعسكري.

 

 

وبعدما كان أردوغان، قبل عشر سنوات، يسعى إلى أن يكون القاطرة التي تجر القوقاز والعالم العربي كله في اتجاه الغرب، مستفيداً من كون حكمه الإسلامي «معتدلاً لا يتعارض مع الديموقراطية» ومن انتشار «الإخوان» في كل هذه المنطقة، عاد اليوم إلى تكريس عثمانيته بطبعة يقال أنها جديدة. فعقد تحالفات مع إيران وروسيا في الشرق. وأعاد الحرارة إلى علاقاته مع إسرائيل لإرضاء واشنطن.

 

 

ماذا بعد حلب وانخراط أردوغان مع روسيا في التسوية الأخيرة؟

 

 

الواقع أن زعيم «العدالة والتنمية» أصبح لديه نفوذ عسكري وسياسي في سورية، تماماً مثل النفوذ الإيراني. وإذا كانت طهران دخلت إلى المشرق عبر البوابة الفلسطينية ومعاداة إسرائيل فأنقرة تدخل المنطقة عبر المسألة السورية فقد أصبح لديها الآن، مثل طهران، مؤيدون مسلحون في سورية، وجماعة مذهبية ترى مرجعيتها في إسطنبول، وليس في دمشق أو في القاهرة الحاضرة الغائبة. أي أنها، في معنى ما، قبلت تقاسم النفوذ مع العدو المذهبي لتحقيق مصالحها.

 

 

روسيا وإيران وتركيا ترسم مستقبل المشرق ممهوراً بالدم السوري والعربي، وفوقه ترفرف رايات وشعارات ماضوية لا تعني سوى دفن الرؤوس في تاريخ تميز بقطعها.

 

 

للكاتبTags not available