رسائل فيدل كاسترو لغادة السمّان!



وفق خطتها، وترتيبها مع أحداث الموت، فربما علينا أن ننتظر خلال الشهرين المقبلين، كتاباً بعنوان "رسائل فيدل كاسترو الى غادة السمان”، وسيبدو الرفيق فيدل على نحوٍ يدعو للشفقة وهو ينتظر غادة في المقهى لساعات يشعل السيجار تلو الآخر.. كما سيقول في الرسائل !

لم يعد ذلك مستبعداً، بعد أن أصبحت الكاتبة قليلة الصبر، ولم تنتظر الكثير بعد وفاة الشاعر اللبناني أنسي الحاج لتنشر ما قالت أنها رسائله العاطفية لها في كتاب، بعد سنوات من نشرها كتاب رسائل الراحل غسان كنفاني.
ضاربة عرض الحائط بكل قيم الاحترام الشخصي، أو حتى الوفاء لذكرى رجل كان يعشقها على الأقلّ، وحتى إن لم تقع هي في غرامه ربما كان عليها أن تبادل إنسانية هذا الرجل، وحبه، بحب من نوع آخر، ولو متأخر، بأن لا تتسبَّب بفضيحة تشهير لاسمه القيّم والفذّ.
لا أدافع هنا عن مثالية المبدع، و”تمثاله”، بل على العكس تماماً أدعو لتحطيم تلك الصنمية، بحيث لا نفاجأ أو يصيبنا الذعر حين نكتشف بأن مبدعاً كبيراً كان في الوقت نفسه .. إنسانا !
لكنَّ هذه "الإنسانية” ليست أيضا أقل شأنا لصاحبها من خصوصية أي فرد عادي، وفضحها هو اعتداء على خصوصيات رجل ميت، واستثمار سيئ وعلى نحو بالغ الانتهازية من قبل كاتبة تبحث بكل الطرق عن وسيلة تبقيها تحت الأضواء حتى النفَس الأخير !
غادة السمّان التي قالت ذات يوم : " وهل يصنع صورة شهدائنا ثرثارون يدافعون عن ازدواجيتهم ؟!”، تفعل هي الشيء نفسه. بل هي التي استثمرت في أسماء رجال عاشوا انسانيتهم الحقة، وكانوا بشراً قبل ان يكونوا مبدعين، حتى انها بعد نشر رسائل كنفاني بسنوات نشرت كتاباً آخر اسمته "محاكمة حب” وقصدَت بهذا الاسم ، الذي ينطوي على تذمرٍ ما ، محاكمة القراء والنقاد ، لكتابها السابق (الرسائل) ، اذ تضمن الكتاب ستة عشر حوارا أجراها مع " السمان " صحافيون ونقاد لصحف ومجلات عربية، وأهدت الكتاب الى (من وقفوا بتحفظ مع صرختها ضد الهمجية الأبجدية)! وإلى الذين هاجموها (فقد تبدل قراءته بعض قناعاتهم المتكلسة)، أما اهداءها الثاني فأزجته الى (عشاق الشغب على الغبار والشخير التاريخي الذين تعبوا من المنظرين للرياء والدجل واستغباء الناس وقمعهم وتخويفهم) والى (الذين يحلمون بمستقبل حي متطور عصري لأدبنا العربي) ! ، بل دعت بـ”جسارة” لمؤسسة عربية ترعى هذا النمط من الوثائق لتضع لديها رسائل أدبية أخرى من كتاب ومبدعين آخرين "منهم الملحن بليغ حمدي” !
ثم أتبعت ذلك باقتباس لـ”جان انوي” يشير الى ذلك القدر الهائل من المازوشية التي تتمتع بها، "بقدرما يزيد عدد الذين يحاكمونك ويكرهونك ، يزيد كبرياؤك وغبطتك ، اليس كذلك؟ "!
ما فعلته غادة، بكنفاني، وأنسي الحاج، وتوعَّدت بأن تفعله بآخرين، هو جشع بالغ، كمن يسرق محفظة رجل ميت في ميدان عام، أمام أعين الجمهور، ولا يبدو أنه يعنيها في هذه السنوات المتوحشة من عمرها وقد بلغت أواخر الثمانينيات إلا ان تستعين بألبوم صورها القديمة ورسائلها الحارّة لإشباع هذا الجشع والنهم لشهرتها القديمة ولتقول للجيل الجديد الذي لم يقرأها أو يسمع بها : لقد كنتُ هنا، وكنتُ جميلة ويسيل لعاب الشعراء علَيّْ !
لكنه في الحقيقة أمر مجحف بحق رجال أحبوها، وكانوا بسيطين، وبشريين، ولم يفكروا في ساعات الحب بأنهم وقعوا في شراك تاجرة محنَّكة ستبيع يوماً كل ما يقع تحت يدها لتظل تحت الأضواء !