الثالوث الطبي مابين المأسسة والقوننة والمساءلة


حسنا فعلت نقابة الأطباء حين رفضت قانون المساءلة الطبية بصيغته الحالية والذي اتى خاليا من فكرة النهوض بهذه المهنة ، لابل و معتمدا في جوهره على الناحية المادية البحتة من خلال وصاية و تغول شركات التأمين في الشأن الطبي ومحاولة اشهار وتسليط السوط المادي على رقبة كل من المريض والطبيب في مسألة قوننة المساءلة الطبية، وحيث ان النقابات المهنية هي صاحبة الولاية في الشأن المهني البحت والخالي من التسييس او التنفيع.

ونرى ان نقابة الاطباء هي الاعلم والاقدر على طرح القوانين الناظمة لشؤون وشجون مهنة الطب سواء من حيث مأسسة عمل القطاع الطبي الخاص والعام والمؤسسات العلاجية والسياحية الطبية والتأمينية الطبية ، وبتعاون وانسجام مع وزارة الصحة و حبذا لو كان هذا يتم من خلال اعادة الحياة الى دور المجلس الصحي الاعلى و الذي اتت فكرة انشائه كمظلة رئيسية ووازنة في العمل على قوننة كل ماهو جديد في الشأن الطبي من خلال اجتراح الخطط الكفيلة برسم السياسات الصحية ، ومتابعة وجوب لامركزية طبية في المحافطات والارياف والبادية والمخيمات للرقي في الشأن الصحي ، والذي لو فعل دستوره و دوره لتواكب وتكامل عمله مع عمل المؤسسات الطبية الاخرى ان كانت علاجية او سياحية او تأمينية ، واتى مدعما وسندا لابداع مهنة الطب ودور طبيبنا الاردني الذي ترفع له القبعات احتراما وتقديرا لحرفيته المهنية وعطائه والذي اخال لا بل ان اجزم القول ان قانون المساءلة الطبية وبصيغته الحالية و المطروح على مجلس الامة ، سوف لن ياتي بحدوى تحصين المهنة او ليقوي ويدعم هذه السواعد الطبية لعظيم ادائها ، وانما سيدخل الخوف المادي والمعنوي على الاداء ويحد من التحدي والإبداع الطبي فاليد الواثقة لا المرتجفة هي الاقدر على المجازفة والبناء والإبداع..

ونظرا لما يتمتع به قضاؤنا الأردني من شفافية ونزاهة وقدرة على المساءلة و بالرغم من عدم وجود تخصص القضاء الطبي كما في الدول الاجنبية التي كان لي شرف ابتعاثي لها من قبل قواتنا المسلحة الشامخة ابدا بمنتسبيها، ارى ان تبقى المساءلة منوطة بقضائنا الاردني ولكن بانتداب اطباء ذوي كفاءات فنية مميزة لإعطاء الرأي الفني والمهني البحت لقضاتنا الافاضل للبحث في معنى ومفهوم الخطأ الطبي ، وكما اسلف وابدع نقيب الأطباء المحترم بمعضلة تعريف الخطا الطبي مابين ضرورة التفريق بين التقاعس اوالإجتهاد الخاطئ او المضاعفات التي تنص عليها المواثيق الطبية ، او حتى متاهة عدم تطبيق البروتوكولات الناظمة للعمل الطبي بمختلف فروعه و الخاصة بكل مستشفى او مؤسسة علاجية ، ففي الغرب ياسادة يكون تطبيق البروتوكول الطبي هو الدستور والحكم لمعرفة الألتزام وبغض النظر عن النتيجة للاجراء الطبي وحيث اننا ولغاية الآن لم ار في اقسام الطوارئ او العمليات او الأقسام (في القطاع الخاص) ايا من هذه البروتوكولات العملية الناطمة للعمل الطبي، ولكي لا ابقى في العموم ،علي ان اطرح مثالا واقعيا و كثيرا ما نلاحظه ، ففي حين هناك بروتوكول علمي للتداخل الجراحي في عملية الزائدة الدودية ( مثلا )يعتمد على التشخيص الصحيح من حيث الشكوى والفحص السريري والفحوصات المخبرية والسونار وما شابه يكون هو الاساس التشخيصي لوجوب عمل التداخل الجراحي من عدمه وبغض النطر عن النتائج فاصل الدافع للعلاج هو النية الطيبة للسعي لشفاء المريض، وهب ان مضاعفات طبية حصلت نتيجة هذا التداخل والذي لم يراع ما اسلفت سابقا فهل نعد هذا مضاعفات طبية ام اهمالا ام تدخلا جراحيا غير ضروري والغاية منه النفع المادي او الشهرة او ما شابه، وهنا بعض مما قصدت

وحيث ان الشيء بالشيء يذكر ففي مناسبة سابقة دعيت اليها لمناقشة عمل ديوان المظالم ودوره غير ملزم بقراراته للسلطة التنفيذية او القضائية في الاخذ بها قي محاولته بالدفع عن التظلم الوظيفي والإداري، حيث انه كان لي فكرة لم ترق للبعض، رايت فيها انه لو لم يوجد لدينا قضاء نزيه ولو اننا في زمن بدايات نشوء الدولة وقبل وجود الدستور الأردني والذي اصر دائما وابدا انه الأرقى بين أقرانه في عالمنا العربي ، لكنت ايدت استمرارية عمل ديوان المظالم ،وحيث ان لنا قضاءنا الاردني النزيه والقادر على التعامل مع الحدث الجرمي والاداري والمادي والإرهابي ارى ان لاداعي لزيادة الاعباء المادية على مملكتنا الحبيبة باستمرارية عمله وخاصة ان قرارته لها طابع التوصية وليست الالزامية في التنفيذ (راجع مقالي في جريدة الراي الغراء بعنوان ديوان المظالم).

وفي هذه العجالة ادعو الى مزيد من التاني والحكمة في طرح القوانين الناظمة للشان الطبي ، وان يصار الى اجتماع المجلس الصحي الاعلى وبمختلف اعضائه الذين يمثلون الحكومة والنقابة والقطاع الطبي العسكري والعام والخاص لماسسة القانون المقترح للمساءلة الطبية تمهيدا لطرحه على مجلس الامة الموقر ليصار الى اقراره ليكون داعما لابداعنا الطبي لا سيفا مسلطا يزرع الخوف والتردد،وللحديث بقية بشان تجربة القطاع الخاص مع شركات التامين ونجاعة هذا التامين في مقال اخر.