لماذا لا نسمع صوت تركيا..؟



من المؤكد أن تركيا من أقوى الدول الإسلامية في الشرق الأوسط وهي تملك جيشا يعتبر الاقوى بين جيوش المنطقة فهو الخامس عالميا.. من حيث العدد والعدة ..خاصة وأن الجيش التركي كان الجناح الشرقي لحلف (الناتو) في مواجهة الاتحاد السوفيتي ..سابقا ومن بعده روسيا.

ولكن أين صوت الرئيس رجب طيب اردوغان ..الآن ..؟
لقد هدد بتدخل عسكري تركي اذا لم تشترك تركيا في تحرير الموصل من داعش او الدولة الاسلامية ..وهدد الرئيس اردوغان اذا دخلت ميليشيا الحشد الشعبي( تلعفر) في العراق الشقيق نظرا لسوء سمعة الحشد الشعبي.. من قتل في المدنيين وتعذيب لهم وهدم بعض المساجد ولان في (تلعفر) اكثرية تركمانية ترجع في اصولها الى تركيا. ولكن جرت ملاسنة على شاشات التلفاز بين الرئيس التركي (اردوغان) ورئيس الوزراء العراقي (حيدر العبادي) ..حول التدخل التركي في تحرير الموصل. فبينما ترفض بغداد دخول الجيش التركي في معركة الموصل بحجة انها معركة عراقية ضد تنظيم داعش او الدولة الاسلامية ..وفي الحقيقة ان الحكومة العراقية تخشى اذا دخلت القوات التركية الى الموصل فانها سوف تستولي على المناطق التي تدخلها فتركيا لها اطماع في الاراضي العراقية بحجة انها كانت ملكا لتركيا بموجب اتفاقية لوزان سنة 1923 التي وقعت بين تركيا وبريطانيا وفرنسا لترسيم الحدود بينهما الا ان الاتفاقية استبدلت بمعاهدات لوزان سنة 1926 واعترفت عصبة الامم بأن الموصل جزء من العراق الا ان العنجهية التركية واطماعه لا تعترف بذلك فقد صرح السيد (عبد الله جول) عندما كان وزيرا لخارجية تركيا ما يلي :-
(ان تركيا الكمالية لم تتنازل عن الموصل وكركوك فكيف بنا ان نتخلى عنها اليوم)
وفي الحقيقة توجد قوات تركية في قاعدة بعشيقة القريبة من الموصل وفيها حوالي 2000 ضابط وجندي مع معداتهم وقد تدربوا الاهالي السنة على القتال فعلا. ان التهديد التركي كان مبنيا على عدة اسباب اهمها:-
1-الموصل فيها قوات ارهابية من داعش او رجال الدولة الاسلامية وتركيا تحارب الارهاب فمن حقها ان تحارب الارهاب القريب من حدودها.
2- كانت تركيا تخشى التغيير الديمغرافي في الموصل بعد تحريرها اي استبدال سكانها المسلمين السنة بسكان اخرين مسلمين شيعة ايرانيين او من الشيعة العراقيين تنفيذا للمشروع الايراني وهو الهلال الشيعي الذي حذر منه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين منذ اربع سنوات.
3- ان تركيا صرحت اكثر من مرة بأنها سوف تتدخل عسكريا اذا وصلت ميليشيا الحشد الشعبي الي مدينة تلعفر لان معظم سكانها تركمان يعودون بأصولهم الى تركيا خاصة وان الحشد الشعبي ينفذ المشروع الايراني فهي تخشى صراحة من استبدال اهل تلعفر بشيعة من ايران.
ومرة اخرى يصل النزاع بين السيد رجب طيب اردوغان والسيد حيدر العبادي الى اعلاه فتدخلت الولايات المتحدة الامريكية فقام وزير الدفاع الامريكي السيد اشتر بزيارات مكوكية بين (انقره) (وبغداد ) محاولا اقناع تركيا بالعدول عن التدخل العسكري في الموصل ولكن لم يصدر اي بيان او تعليق على تلك المحادثات.
لقد رأينا الطائرات التركية تشن غارات كثيفة على شمال العراق بحجة انها تضرب حزب العمال الكردي ..ويبدو انها كانت رسالة الى بغداد ايضا.
وبالرغم من اطماع تركيا في ارض العراق وفي النفط والغاز الذي هي بامس الحاجة اليهما الا انها سبق وان اقامت سدودا على نهر الفرات العظيم فاصبح سيلا جافا واستولت تركيا على مياهه بحجة حاجة الى المياه لري اراضيها.
وفجاة خرج علينا رئيس الاركان التركي الجنرال خلوصي اكار في اجتماعات حلف شمال الاطلسي الناتو بتصريح اكد فيه:- (انه لا توجد اي اطماع لتركيا في الموصل او في الاراضي العراقية..).
وبالرغم من دخول القوات العراقية الى الموصل فان القوات التركية لم تتدخل اللهم الا بقصف بالمدفعية لقواعد داعش او الدولة الاسلامية عن بعد وعلى استحياء. وكذلك حاصر ميليشيا الحشد الشعبي مدينة( تلعفر ) التي غالبية سكانها من التركمان الذين يرجعون باصولهم الى تركيا الا ان الجيش التركي لم يتدخل بالرغم من انه اقوى جيوش الشرق الاوسط. وتساءلنا اين تهديد اردوغان ..؟ أين صوته العالي..؟
إن الاكراد اتفقوا مع بغداد على الاشتراك في تحرير الموصل. وتعهدوا بالانسحاب من الموصل بعد تحريرها ولكنهم لم يتعهدوا بالانسحاب من باقي الاراضي التي تحررها قواتهم (البشمرجه) فسوف يضمون القرى التي يحررونها الي اقليمهم اي اقليم كردستان شمال العراق وهو الدولة الكردية في المستقبل اذا انفصلوا عن العراق بحسب تصريحات السيد مسعود البرزاني رئيس الاقليم.
يبدو ان الحرب هي الوجه الاخر لعملة السياسة..ونحن نعلم ان السياسة فن الممكن وليس فن المستحيل وكذلك الحرب. فان الاتحاد الاوروبي اغلق ابوابه في وجه تركيا نهائيا وانهى المفاوضات التي كانت تركيا تطالب فيها بالانضمام الي الاتحاد الاوروبي فنصفها يقع في اوروبا الا ان اوروبا تخلت عن اردوغان ..؟ بحجة وقوع انقلاب في تركيا وتركيا تعتقل انصار جولان المتهم بتدبير الانقلاب وهي اي تركيا لا تراعي حرية الافراد وحياتهم مما يجعلها غير مؤهلة للانضمام الى الاتحاد الاوروبي.
وفي نفس الوقت فان الولايات المتحدة الامريكية تخلت عن اردوغان ..فهي لم تؤيد طلبه باقامة المنطقة العازلة شمال سوريا على الحدود التركية وايضا لم تؤيد تدخله عسكريا في معركة الموصل بالرغم من انه حليفها الاستراتيجي وهو الجناح الشرقي لحلف شمال الاطلسي (الناتو). لاسباب كثيرة اهمها ان الرئيس الامريكي باراك اوباما على وشك الخروج من البيت الابيض بعد فوز الرئيس الجديد لامريكا السيد(دونالد ترامب) ولا يرغب في ترك تعقيدات خلفه.
اصبح الرئيس اردوعان في موقف لا يحسد عليه فان اوروبا وامريكا تخليا عنه وهو على ابواب معركة بل على ابواب حرب فكان عليه ان يعيد حساباته قبل الاندفاع الى معركة صغيرة سوف ينتج عنها حرب طاحنة بين تركيا والعراق بدون ادنى شك فان حيدر العبادي اعتبر القوات التركية قوات احتلال او قوات غزو الى الاراضي العراقية واعلن ذلك علنا وبصراحة. ويبدو ان الرئيس اردوغان اتجه نحو حليف جديد وهو روسيا وهو يحاول ذلك الا ان قيصر روسيا الجديد بوتين (نصحه بالابتعاد عن هذه الحرب الشائكة.)
وهكذا لم نسمع صوت تركيا ولم نسمع صوت الرئيس رجب طيب اردوغان يهدد بصوت عالٍ..ترى هل هي الحكمة في تقدير المواقف..؟ ام انها تخلي الحلفاء في وقت الضيق..؟ أم أن تركيا تعد مفاجأة لقلب قواعد اللعبة في سوريا والعراق خاصة مع دخول القوات التركية الى مدينة الباب الاستراتيجية ..؟
اللهم ارحمنا برحمتك واهدنا سبل الرشاد يا رب..!!