لنفتح ملف الجامعات معا



كيف تكون الجامعات التي نعتبرها بيت الخبرة والفكر والتغيير ، والمكان الذي يفترض فيه بناء الاستراتيجيات والنظرة المستقبلية ، كيف يمكن لها أن تكون المكان المؤرق والمقلق لنا ..؟ من المفترض أن تكون الجامعات هي مشاغل بناء الشخصيات التي ستقود الوطن ، وهي المختبرات الفكرية التي تتشكل فيها ملامح المستقبل ، فكيف إذا كانت هي الآن مصدر القلق والعنف …؟ نتحدث عن مجتمع واسع في وطننا ، عن 32 جامعة حكومية وأهلية وعن 12 ألف عضو هيئة تدريس وعن جسم طلابي كبير ما بين طلبة من الأردن والبلدان العربية والأجنبية يتجاوز ربع المليون شاب وشابة ، فكيف يمكن لنا ونحن في وسط إقليم ملتهب أن نبني العلاقة مع هذا الكم الكبير من الطلبة ..؟ كيف ومن الذي يحمل البوصلة ويوجهها ..؟ الإدارة ..أم التشريعات أم أعضاء هيئة التدريس الذين يفترض فيهم أن يكونوا منارة التفكير والتوجيه والبناء ..؟ نحن أمام حالة غير مسبوقة تتفاقم ، تحول الطالب الجامعي إلى مشكلة إن لم نجعله مركز الحدث والمحرك الذكي للحياة الجامعية ، وليس مجرد الرقم الذي يجلس على كرسي مرقم ، ويحمل رقما جامعيا ، وهو لدينا متلقي يحفظ معلوماتنا ويتخرج في نهاية الفصل إن أحسن حفظ هذه المعلومات …! ما زلنا في عصر التلقين ، وما زال الطالب بشكل عام غائب عن الفعل الثقافي وتشكيل شخصيته من خلال النشاطات اللامنهجية ، وهذه خطيئة تتشارك فيها كل الجامعات ، ويمكنني أن أستثني الجامعات التي تدرس العلوم البحتة ، مع العلم بأن التخصصات الإنسانية هي التي تبني الشخصية وتشكل البناء والمداميك التي تبني الوطن ، لكننا نقصر بحق طلبتنا ، ونغضب من تحولهم إلى حالات من العنف غير المقبول ، ولم نسأل أنفسنا الأسئلة الكبيرة ، أين هي استراتيجياتنا بعيدة المدى والعمق لبناء الطالب في جامعاتنا ..؟ كيف لنا أن نترك التأثير الحقيقي في شخصية الطالب الجامعي إن كانت علاقتنا به هي علاقة الرقم الذي يجلس على كرسي المحاضرات ..؟ أين هو الحوار وإثارة التفكير والعصف الذهني الذي يخلق الشخصية المصقولة التي نريدها …؟ مشكلتنا في غياب الاستراتيجيات التي تبدأ من الإدارة الواعية والتي لا تعتبر أن العمل الإداري في الجامعات يعني المكاتب المكيفة وأسطول السكرتيرات والموظفين ..؟ إن وضع إستراتيجية مستقبلية هي معيار الوعي بالدور الذي يقوم عليه عمل رئيس الجامعة والنواب والعمداء ورؤساء الأقسام ، هذه الإستراتيجية لا ترتبط بتغير الرئيس أو نوابه ، وإنما تقوم على مؤسسية الجامعة وخطها الذي لا يرتبط بفترة رئيس ما ، بل بتطور المؤسسة نفسها ، ومن هنا يبدأ بناء الطالب مع بناء المؤسسة ، وهو ما لا نراه في جامعاتنا ، والنتيجة أن طالب الجامعة الأردني يتطلع خارج أسوار جامعته التي لم تشبع اهتماماته ، والتي حولته إلى مجرد رقم يجلس على كرسي المحاضرة ويمتحن ما نمليه عليه ، ونحن في عصر المعلوماتية التي تحل محل المدرس التقليدي وتفوقه ملايين المرات في توفير المعلومة ، لكنها تعجز عجزا تاما عن التوجيه والإرشاد وبناء المواطنة والتفكير والمنهجية ..وهذا ما عجزت عنه جامعاتنا .. أعطت الطالب شهادة في نهاية المطاف ، لكنها لم تعطه المواطنة ..!
لماذا نستغرب من قلق طلبتنا وعنفهم ..؟ لدينا ملاعبنا ومختبراتنا ومكتباتنا ومراكز البحث ، لكن لدينا بالمقابل حالة من غياب الإستراتيجية ومن توظيف كل هذه الطاقات ، فالملاعب خالية عادة من الفعاليات ، والمسارح بلا جمهور جامعي ، وقاعات الأنشطة تستقبل أعدادا محدودة ، وعندما يحل المساء تكون الجامعات خاوية على عروشها ، ويكون الطلبة أبعد ما يكونون عن الحياة الجامعية التي يفترض أن تدوم بل أن تبدأ بعد نهاية المحاضرات .
أعطينا الطلبة فرصة بشعة للعيش في الفراغ ، وسمحنا لفئات أن تستغل طلبتنا ، وكان الوضع الطبيعي أن يتسرب العنف إلى الحرم الجامعي ، هذه خطيئة بدأت تتشكل عندما تخلت الجامعات عن دورها في التنوير ، وتركنا المجتمع ليتغول على الجامعات ويقودها بدلا من أن تقود الجامعات مجتمعاتنا ..وهذه الخطيئة نتقاسمها كلنا ..فلنبدأ بالإدارة أولا ، إنها مربط الفرس ، والفشل يبدأ بهيئات تدريسية تقليدية ، علينا كلنا أن نتذكر أننا نتعامل مع فئات مختلفة من الطلبة ، جيل من الشباب الذي يعيش عالم التقنيات ، علينا أن نخاطبه بآلياته الجديدة وأن نتذكر أن العالم حولنا يلتهب بالعنف والخوف ، فكيف نخاطب طلبتنا في زمن الصراعات الإقليمية والعتمة العربية ..؟
العنف ليس من سمات طلبتنا ولا يسري في جيناتهم .. أعطوهم فرصة القيادة والتغيير وستجدون أنهم يصلحون لذلك بامتياز .. فقط حاولوا ..!