ما هي أكبر مشكلة في الأردن..؟
تقصيري قديم تجاه القراء والأصدقاء، وربما معلومتي في مقالتي تعاني بدورها تصنيفا متفاوتا بينهم، وقررت مرة واحدة أن أجري استطلاعا أو استفتاء للقراء وللأصدقاء على صفحتي الأولى المتبقية من ثلاث صفحات، بعد أن تمت مصادرة الصفحتين «الثانية والثالثة»، فقمت بشطب أكثر من الفي اسم من صفحتي الأولى القديمة، واستقبلت وأضفت 1200 اسم عليها حتى الآن، ومن بين حوالي 4300 اسم، أجاب أكثر من 100 على سؤال كتبته (ما هي اكبر واهم مشكلة تواجهنا في الاردن؟!)، فكانت الإجابات جادة معبرة عن مدى سعة وعي واطلاع الأردني، علما أن العينة تعبر تماما عن الشعب الأردني، حيث يوجد النخبوي والمختص والمسؤول والمواطن العادي والموظف والطالب من كلا الجنسين، كما يوجد بينهم من يمثل تيارات ثقافية وفكرية وسياسية، ولا تكاد تغيب جهة واحدة من هذه القوى والفعاليات المؤثرة في المجتمع، فالجميع أدلى بدلوه، وأجاب عن السؤال..
الاجابات تصلح لكل استراتيجي يتقصى الهم الأردني؛ ويمكن اعتبارها نموذجا مما يجول في خواطر الأردنيين، وبعيدا عن الأرقام والأعداد والتفاصيل، سأورد ملخصا لطبيعة هذه الإجابات، حول أكبر مشكلة تواجه الأردن ومواطنيه كما يراها الناس:
احتلت مشكلة الفساد المرتبة الأولى في اهتمام الناس، فقال عنها المسؤول والنخبوي والمواطن العادي والمثقف، وبعضهم توسع في الحديث، على اعتبار أنها آفة الآفات وسبب كل المشاكل هي استشراء الفساد وعدم مكافحته، وتحدث بعضهم عن الفساد الإداري باعتباره البيئة الحاضنة لكل أنواع الفساد، فقالوا إن المشكلة تكمن في المسؤولين أنفسهم فسادهم أو ضعفهم الإداري هو الذي يوفر البيئة المثالية للفساد ويقدم له كل التسهيلات..
حتى الذين اعتبروا الفقر والبطالة هي أهم مشاكلنا، ربطوها بأسباب واحتل الفساد مكانا بين هذه الأسباب، بينما تحدث آخرون بطريقة أخرى، فاعتبروا أن ارتفاع المديونية هو مشكلتنا، أي أن المشكلة الكامنة في تردي الوضع الاقتصادي مرده سوء إدارة سياسية، ربطها بعضهم بعدم وجود شخص مناسب غالبا، ومن بين الآراء من قال بأن المشكلة الاقتصادية ألقت بظلالها على تفاقم منظومة تحديات نجمت عنها مشاكل كبرى ليس الفقر والبطالة أقلها.
أجاب بعضهم على السؤال بأنها العدالة الغائبة! وقال آخرون عن العدالة الاجتماعية، وأن غياب العدالة هو سبب ضياع الحقوق»حقوق الانسان»، واستشراء الممارسات الجهوية والفردية وعدم اهتمام الحكومات بالمواطن، الأمر الذي أدى إلى غياب الثقة ورواج قيم الفردية والمصلحية، بل إن بعضهم قال عن انتقائية في توزيع الحقوق، واعتبروا أن العشائرية باتت هي مشكلة، باعتبارها المؤسسة التي تحفظ حقوق أبنائها على حساب حقوق الآخرين، وهو تفسير متداول لكنه ناجم عن غياب الثقة، وانحسار الثقافة الوطنية، لتحل مكانها مؤسسة العشيرة في حفظ حقوق وكرامات الناس، وهذا يقودنا إلى وجهة النظر الأخرى:
بعض الأصدقاء والقراء تحدثوا عن مشكلة اجتماعية» كذب،نفاق، خيانة الأمانة، تسحيج..»، واعتبروها هي مشكلتنا الرئيسية في الأردن، فتحدثوا عن غياب الأخلاق وانحسارها، حيث تغيب الأمانة وتستشري المصلحية، فأجابوا بأن أكبر مشكلة تواجه المحتمع هي الأخلاق، والمعلوم أن العشيرة هي الحامية الأولى للأخلاق بالنسبة لأبنائها، فهم يتمتعون بمنظومة قيم لا يمكنهم تجاوزها بسبب انتمائهم للعشيرة وسمعتها، وهو الأمر الذي يحمل ردا مبطنا على أن العشائرية أصبحت كيانا موازيا لتحقيق العدالة والحفاظ على الحقوق، إذ يرى المتحدثون عن غياب الأخلاق بأن الثقافة التي غرستها العشيرة هي الكيان الثقافي والأمني للحفاظ على منظومة القيم الطيبة.
وتحدث بعضهم عن غياب القيم العقائدية، خصوصا الاسلامية، فأجابوا بأنه غياب الدين، وضعف الوازع الديني «ما في مخافة ألله»، هو سبب العلل والمشاكل، وكانت نسبة الذين تحدثوا بهذا السياق ملحوظة، واكتفى بعضهم بنشر أقوال وآراء خاصة ببعض المنظرين الاسلاميين، بينما على الجانب الآخر، كان هناك رأي بأن «التطرف» هو سبب التخلف والظلامية، الأمر الذي دفع بعضهم للرد على هذا الرأي، وأيده آخرون بطريقة أخرى غير مباشرة، حين تحدثوا عن علمانية الدولة، وحق الآخرين الغائب، وأن المشكلة تكمن في ثقافة إقصائية تهمش الرأي الآخر، على الرغم من مدنية الدولة،فقال آخرون بأن مشكلة المشاكل هي الليبرالية العلمانية المتطرفة.
أجاب نخبويون على السؤال بأن تقهقر التعليم وغياب التعليم المهني هو المشكلة الكبرى، فهو سبب كل تخلف، وهو ما يجب أن يحظى بالاهتمام لتحسينه وتطويره في كل المراحل، بينما رأى آخرون بأن لا إرادة حقيقية في الأردن للإصلاح السياسي وأن الأردن ينصاع في قراراته لإملاءات الخارج، وأن هذه المشكلة هي التي تدفع الادارات السيئة للسيطرة المشهد..
كانت هناك إجابة تعتبر أن غسيل الأموال هي مشكلتنا الرئيسية، وكذلك كانت إجابة أو اثنتين تفيد بأن المخدرات هي مشكلتنا الكبرى.
التعليقات المذكورة تستحق الاحترام، فهي رأي المواطن، وهي التي يجب أن تحظى باهتمام المخطط والاستراتيجي والاعلامي وصانع القرار..
أدعوكم لزيارة صفحتي والاطلاع على رأي المجتمع، فالعينة محترمة وتمثل كافة الأطياف والفئات.