الصفحة


هي مشكلتنا وحدنا ، أن نراهن دوما على الحصان الخاسر نفسه في كل مرة ، وهو ذنبنا وحدنا أن نخبأ خيباتنا البيضاء لتقينا في أيامنا العجاف السوداء التي طالت ، وهو قدرنا أن نرتدي في كل مرة قميص الصمت والخنوع ونصر على عدم فك أزراره ولو لمرة واحدة لنغسله.

كم نحن خليط من الأشياء المتداخلة والمتشابكة ، التي لا تعرف لها لونا ولا طعما ولا شكلا ، سوى شكل واحد ولون واحد وطعم واحد ، هو الغباء.

لم أرى في حياتي مثلنا ، سنابل تنتحي للمنجل بكل طواعية ، وتصر على أن تنبت من جديد سريعا لتعيد نفس الانحناءة بنفس الضعف ونفس المصير.

لم أرى في حياتي مثلنا ، مسجونين بقيد الفقر والجوع والعوز يعشقون السجان وفي كل يوم يقعون في حبه ، ويشعرون بالدوار نفسه واللهفة إياها ، غير آبهين بالتورمات التي تركها القيد حول معاصمهم وحول رقابهم وحول أحلامهم.

فليضف العلماء سنا وعمرا جديدا لترتيب الأعمار ، فكما هناك سن الطفولة وسن المراهقة وسن الشيخوخة ، هناك أيضا سن الحماقة ، في هذا السن نتآمر على مستقبلنا ونخون أحلامنا كي نمارس العهر ونمدح السجان أو نحظى بصورة معه ، أو نحظى منه بكسرة خبز يابسة، نتناولها كالدواء وعلى ريق أوجاعنا وقبل الأكل وبعده وقبل النوم ونحن على كامل اليقين بأن علتنا لن تكون إلا في تأثيراتها الجانبية.

أيها العائشون على الحفف المتنوعة ، حفة الفقر وحفة الأمل وحفة الحياة ، المتدثرون بالعفة والمتدثرون بعصمة الفقر. المخترقون بخنجر الندم الصدئ ، المنتشرون في محطات الغد المشرق الذي تاهت عنه القطارات.

مشكلتكم أنكم طيبون وساذجون... وواهمون بأنكم تستطيعون في كل مرة أن تقلبوا الصفحة .... فهل فكرتم ولو لمرة في وزن الصفحة التي تقلبونها.




المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com