أبعاد إنضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي

 

أبعاد إنضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي

 

بقلم الدكتور: محمد عيد الحراحشة

 

       تداعيات الأحداث الإقليمية في المنطقة واتخاذ مواقف احترازية استباقية دفع بقادة دول مجلس التعاون الخليجي الى دعوة الأردن والمغرب الى الانضمام التدريجي الى منظومته في إطار تكتلات سياسية وكارتيلات تجارية في ظاهرها وترتيبات امنية ودفاعية لوقف الزحف الشيعي والنفوذ الايراني في بواطنها .. تلك التقاطعات السياسية تهدف الى إعادة رسم جيوسياسي وتحالفات استراتيجية برؤية إقليمية بعد أن استفاقت دول الخليج العربي من سباتها في خضم رياح التغيير وتداعياته التي هبت على العالم العربي والذي قد تقع في براثينه وتغرق في مستنقعاته وبخاصة في ظل وجود مكون شيعي في المجتمع الخليجي ، تنامى صعوده في المشهد السياسي البحريني وخلايا نائمة لهذا المكون في السعودية والكويت تشعر بالإقصاء والتهميش في الحياة السياسية والاقتصادية قد تنهض يوماً ما بروافع سياسية إيرانية وشبكات تجسس تحدث إختلال في توازنات المجتمع الخليجي في ظل قدرتها على التحالف مع شبكات الإرهاب والتيار السلفي الجهادي المتصل بتنظيم القاعدة.

 

          في ظل رياح التغيير والحراك السياسي الراهن وغموض مواقف الإدارة الأمريكية في إستحقاقاته وتخليها عن النظام السياسي المصري حليفها الإستراتيجي في المنطقة ، وفي ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه الأردن وما يمثله من عمق استراتيجي لدول الخليج .. جاء الإعلان الخليجي في إطار فلسفة براغماتية للتعامل مع أطماع إيران التي تعلن جهارة ضرورة التحاق دول الخليج العربي الى ركب الثورة الإيرانية لترسيخ شرعية مبادئها واهدافها في المنطقة في إطار رسم ايدولوجي وجيوساسي يهدف الى امبراطورية فارسية متصلة في التاريخ والمعتقد.

         

          في البعد الإقتصادي ثمة مكاسب يطمع الأردن في تحقيقها للخروج من مأزقه الاقتصادي على كافة الصعد ، فحصوله على اسعار تفضيلية على فاتورة النفط هاجسه الأول بهدف تحريك عجلة التنمية وانسياب بضائعه دون عوائق تصديرية تحفز روافعه المالية ، وفتح أسواق العمل يرفد خزائنه واحتياجاته النقدية .. وحصوله على قروض ميسرة يمول مشاريعه ويحقق تنمية مستدامة .. وفي الوقت ذاته فهو مرغم على تنفيذ شروط مجلس التعاون الخليجي عبر إزالة الحواجز الجمركية لإنسياب سلعه التي ستشهد منافسة كبيرة في إختراق أسواق الخليج .. وهذا التحول الاقتصادي يحتاج الى تشريعات ناظمة تتوافق مع بيئة الاقتصاد الخليجي وبخاصة اذا ما قرر الأردن الدخول في سوق الوحدة النقدية لدول مجلس التعاون الخليجي وتحقيق شروطه وأدواته النقدية ومؤشراته المالية.

 

          في البعد السياسي يتطلع الاردن الى السير قدماً في إحداث تغيير في بنية نظامه السياسي وتمكين مؤسساته في ادارة شؤون البلاد بانموذج ديمقراطي توافقي يفرغ حالة الاحتقان السياسي في الشارع ويؤسس لمرحلة نهضوية في اقتصاده ودوره السياسي كلاعب اساسي في محاور عملية السلام في المنطقة .. كقوة تفاوضية اقليمية تخدم الجانب الفلسطيني في إطار منظومة التعاون الخليجي وفي ذات السياق سيعمد الأردن الى إقناع أعضاء المجلس في احداث تغيير في بنية أنظمتها السياسية عبر تحولات ديمقراطية وانفراج سياسي داخل منظومة دول المجلس لديمومة هذا التحالف الإقليمي وتجذير مؤسساته السياسية وإضفاء الشرعية على مكتسباته ليشكل قوة فاعلة في مجرى الأحداث الإقليمية والدولية .. وفي الوقت ذاته سيرتب الأردن أولوياته السياسية والاقتصادية بعد عودة مصر الى الحظيرة العربية بروافع سياسية جديدة قد يتم دعوتها الى الإنضمام لاحقاً الى مجلس التعاون الخليجي لتشكل جبهة إقليمية يُعتد بها وترسم تسويات الوضع النهائي في عملية السلام وفقاً لاستحقاقاتها الوطنية والقومية.

 

          في البعد الاستراتيجي والأمني حتماً سيكون هناك تعاون إستخباراتي يرصد تحركات الجماعات الإسلامية المتصلة بتنظيم القاعدة داخل منظومة التعاون الخليجي عبر تشكيل قوة ردع فاعلة مدربة ومجهزة عسكرياً يضطلع الأردن بمهام عدة فيها نظراً لكفاءته العسكرية واحترافية قواته المسلحة ، وفي الوقت ذاته إفشال مخططات قوى إقليمية لها مطامع في ثروات الخليج ومكونات طائفية داخل دول الخليج قد تنهض بوسائل إحتجاجية تطالب بالحرية والعدالة تستفيد من ربيع الثورات العربية بدعم قوى إقليمية ودولية في ظل تخلي الغرب عن حلفائه في حالة الثورات الشعبية كما حصل في مصر وتونس ودول تحتضر أنظمتها السياسية كما هو الحال في ليبيا وسوريا ..

 

 

والسؤال الذي يتبادر الى الذهن.. كيف يوائم الأردن في علاقاته مع دول الجوار واستحقاقات إنضمامه لمجلس التعاون الخليجي ؟؟؟

 

 

من المؤكد سيعيد الأردن بناء أولوياته وأجنداته الوطنية والقومية وفقاً لاستحقاقاتها ، فالبعد الاقتصادي والميزات في الإندماج ستكون على رأس أولوياته نظراً لحجم ضائقته الاقتصادية وتداعياتها في الداخل ، والعرض الخليجي له كلفته السياسية والأمنية وفي الوقت ذاته له ميزته الاقتصادية من خلال توظيف كوادره البشرية وعمالته المدربة في أسواق اقتصادية صاعدة ومحفزات استثمارية يطمح الغرب للوصول إليها .. وفي الوقت ذاته يمثل الأردن حالة الإعتدال السياسي والتوازن في علاقاته ولا زال يسدي نصائحه إلى النظام السوري في تحقيق إصلاحات جذرية في بنيته وحوار وطني سوري شامل يفضي الى توافقات بين أطيافه لتحقيق الاستقرار برؤية سياسية إقليمية عبر تجريد النفوذ الايراني من أجنداته الوطنية والتزاماته القومية .. ويحرص في ذات السياق على عودة العراق بمنظور قومي في سياسياته بعيداً أجنداته الطائفية المتصلة في حكومة طهران للحفاظ على خصوصية العلاقات التجارية بين الأردن والعراق كسوق إستهلاكي يستوعب مخرجات نشاط اقتصادي أردني لاغنى عنه في ظل المنافسة الكبيرة التي ستشهدها أسواق مجلس التعاون الخليجي.

 

 

          وفي ضوء تداعيات هذه الأبعاد يطمح الأردن الى مأسسة العمل السياسي والاقتصادي داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي وتحقيق أهدافه عبر التوازن في سياساته وعلاقاته الإقليمية بعيداً عن الأجندات الخارجية وبخاصة للأردن تجربة في مجلس التعاون العربي الذي لم يحقق أهدافه وسقط في أول اختبار قومي عربي تعرض له العراق.. فدراسة هذا العرض يحتاج الى حوار وطني تشارك فيه كل الفعاليات الاقتصادية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني للوصول الى صيغة توافقية تخدم مصالح الوطن أولاً وليس قناعات من وزير خارجيتنا عبر تفرده بالقرار نيابة عن الوطن ومصالحه العليا...

 

Phd_mhmd_h@yahoo.com