تقرير ديوان المحاسبة ومحاسبة المتجاوزين…



ليست المرة الاولى التي يكشف فيها تقرير ديوان المحاسبة عن تجاوزات بالجملة تقدر بمئات الملايين من الدنانير، وهذا يؤكد هشاشة الاجراءات الحكومية لمنع التجاوزات على المال العام، فالتراخي يغرى ضعاف النفوس الذين اصبحوا بالجملة وعملهم تحول من الفردي الى المؤسسي، والخاسر اولا واخيرا دافع الضرائب والاقتصاد الكلي، وكما تم طي التقرير السابق لديوان المحاسبة، سيتم طي التقرير الحالي، لاسيما ومع استمرار منع ديوان المحاسبة من السلطة والتركيز على الدور الرقابي الوقائي والتوعوي في انشطته، ويقينا ستستمر التجاوزات على المال العام، والتقارير تصدر سنويا تباعا وهكذا دواليك.
من السخرية ان يتمتع طوافو الحراج والغابات بسلطة الضابطة العدالية، وحتى الآن لم يتم منح مثل هذه السلطة لموظفي ديوان المحاسبة بالرغم من اهمية الدور الذي يقومون به في الاقتصاد الاردني بخصوصا حيال القطاع العام بوزاراته ومؤسساته، ومن التجاوزات التي افضت الى هدر كبير للمال العام مضاعفة عجز موازنات المؤسسات الحكومية المستقلة حيث تجاوز حاجز المليار دينار، الذي يتحول الى دين عام ( قروض)، وهذه القروض هي بمثابة ضرائب جديدة اجلة او مؤجلة لكنها ستدفع يوما من الايام وإن تأخرت.
مع هذا الكم من التجاوزات ماذا ستفعل هيئة النزاهة ومكافحة الفساد التي اكملت اطرها واجهزتها التنفيذية من خبراء ومختصين في كافة التخصصات قبل عدة اشهر، علما بأن من اهم أهداف الهيئة تأصيل قيّم النزاهة الوطنية في المؤسسات الرسمية وتفعيل قوانين الحاكمية والشفافية وتكافؤ الفرص في إدارة المؤسسات الوطنية وفي الإشراف على إدارة المال العام، وهذه الاهداف جميلة، لكن في حال تسجيل مجموعة من التجاوزات بالجملة التي قد ترقى الى الفساد كما في تقرير ديوان المحاسبة، فإن المحافظة على المال العام والحاكمية الرشيدة تستدعي الوقوف امام تلك التجاوزات كل واحدة على حدة.
وفي هذا السياق.. ليس فقط الفساد هو الاستيلاء على اموال عامة فقط، اذ يشكل قرار صرف او شراء في غير محله ربما يؤدي الى هدر اموال طائلة، ويضيع فرص كبيرة نحن بأمس الحاجة اليها في هذه المرحلة بالذات هو فساد من النوع الثقيل..التقرير بحذافيره يفترض ان يودع للجهات القضائية للنظر في كل حالة بهدف حماية المال العام من جهة واستراجع ما يمكن استعادته من جهة اخرى..وهنا فإن جهود وزارة المياه وشركات الكهرباء في ملاحقة من يسرق المياه و/ او الكهرباء يتم تحويله الى القضاء وصدرت احكام بالسجن والغرامة او الاثنتين معا ساهمت في بدء معالجة لمنع التجاوز على المال العام واعتقد جازما ان ملاحقة الموظف المسؤول الذي يتسبب في هدر المال العام او التجاوز عليه واصدار احكام بحقهم امر ضروري، حتى لا تتحول تقارير ديوان المحاسبة الى شكل من اشكال الترف المرير.