الصابون


حين تمسك (صابونة) بين يديك , عليك أن تكون حذرا وهادئا لأنها (بتمزلط) ويمكن أن يقال :- (بتمزط) ..قبضة اليد لا تحتمل الأشياء اللزجة , بالمقابل تحتمل الأشياء الصلبة الخشنة ...


لكن حين تمسك حجرا , فأنك تسيطر عليه , تشده على قبضتك , تخفيه في جيبك ..والحجر ليس مثل الصابون أبدا ...فهو لا يتحلل ولا يذوب ولا يختفي أبدا ...

لم تقم جماعة الإخوان المسلمين بإجراء تقيمات لتاريخها وأدائها في الأردن عبر السنوات التي خلت أبدا , فهي مصرة أن تبقى مثل الصابون في علاقتها مع الأخرين ..بعد الإنتهاء تغسل يديك منهم , والتجارب أثبتت ذلك ..

ففي مصر كانوا مثل الصابونة تماما (بتمزلط ) ..لهذا غسلت الجماهير والسلطة هناك يدها منهم , وفي الأردن راهنت عليهم الأحزاب وبعض القوى الشعبية والحكومات مدت يدها لهم ...ولكنهم كانوا (أنانيين) إلى الحد الذي ظنوا فيه أنهم سيسحبون النموذج المصري ويطبقونه على الأردن ..وكأن البلد أصبحت كعكة جاهزة في أفواههم, ولكن في لحظة غسل الجميع يده منهم ...

وفي سوريا ظن البعض , بعد تفجيرات (الخلية الأمنية) وأنكماش قوة النظام أنهم على مسافة قصيرة جدا من السلطة , وفجأة ..ذابوا في المشهد تماما , وحتى الحلفاء الأقرب لهم مثل تركيا وبريطانيا ..غسلوا يدهم منهم ...

حتى في تونس , حين غسلت القوى الشعبية يدها منهم ..عادوا لمنطق الشراكة , والحديث عن تقاسم السلطة ..

العلة ليست في اليد , ولكن العلة في الصابون ..فهو (بمزلط) وأنت في لحظة تغسل يدك منه ...وتغادر .

بالمقابل الحجر تبقى ثابتة في اليد , ولست مجبرا أن تغسل يدك منها فالتراب لا يلوث اليد ...وأحيانا قد تكون سلاحا , وقد تكون تميمة ..قد يصبح الحجر تمثالا ..وقد تسند به حائطا ...الحجر يبقى صلبا لا يتغير بفعل الظروف , بعكس الصابون الذي يذوب ويضمحل بعد إستعماله عدة مرات في الغسيل ...

لهذا كان الإسلام دينا عظيما , حين أمر بالتيمم ..أي :- أن تستعمل الحجارة والتراب إن لم تجد الماء ...في لحظة الوضوء .

لقد ضحكت أول أمس وأنا أرى مجموعة من شباب الإخوان في مسيرة البلد والتي اندلعت لنصرة أهلنا في حلب يهتفون :- (يالله إرحل يابشار) ..هل حقيقة يدرك هؤلاء ما يحدث في سوريا ؟ ...رحلت مدن كاملة ولم يرحل النظام وما زالو يهتفون (يالله إرحل يا بشار) ....

في حياتي لم أكن ناقما أو حاقدا , ولكني حزين على حزب تاريخي ..عاش معنا وكبر معنا , وكان له صولات وجولات ومواقف تذكر ..وما زال في ذاكرتي بعض المشاهد للإخوان حين كنا نسير خلفهم ونرافقهم في المسيرات التي تدعو لفك الحصار عن العراق مطلع التسعينيات ...

على الإخوان الان عقد مؤتمر لمراجعة المرحلة , وبشراكة فاعلة من كل القوى الوطنية ...ومن الممكن إجراء وليمة عارمة بعد المؤتمر , ولكن من دون صابون حتى لا نتذكر حقائق السياسة المؤلمة