حقوق الإنسان أفعال لا أقوال

نضال منصور

 

يحتفي الأردن باليوم العالمي لحقوق الانسان، ويؤكد رئيس الوزراء تمسك حكومته بحقوق الإنسان والسعي بخطى حثيثة للارتقاء بها وصون كرامة الإنسان وحرياته.
ويستعرض فريق المنسق الحكومي لحقوق الإنسان الإجراءات والتدابير التي اتخدتها وأنجزتها الوزارات والمؤسسات العامة في الأردن لصيانة حقوق الانسان.
يشعر الأردن الرسمي بالزهو والفخر وهو يحتفي باليوم العالمي لحقوق الإنسان وسط إقليم ملتهب تسود فيه الصراعات، ويعلو صوت الكراهية والبغضاء، ويحرق فيه الإنسان والحجر والشجر.
لا ينكر أحد حق الأردن في التباهي بأنه أنجز استراتيجية وطنية شاملة لحقوق الانسان، وأن الملك ضامن لإنفاذها، ولا أحد يستطيع أن ينكر أيضا أن الأردن حالة استثنائية في هوامش الحريات وحقوق الإنسان في المنطقة، وهو بلد يغرد خارج سرب الديكتاتوريات والأنظمة الفاشلة.
من المفترض أن هوامش الحريات التي يتمتع بها الأردن تدفعه لمزيد من الإجراءات والضمانات التي تنقله خطوة نحو الأمام لينتقل إلى مصاف الدول الديمقراطية، لا أن يظل يراوح في ذات المكان، يمضي خطوة للأمام ويتراجع خطوتين للوراء، وكما وصف مفوض المركز الوطني لحقوق الانسان د.موسى بريزات حال حقوق الانسان بالأردن للعام 2016 بأنها "مكانك سر".
لا يفيد الاستمرار بالتغني أو المكابرة والإنكار في تقدم حالة حقوق الإنسان، فأقصر الطرق للتقدم الاعتراف بالأخطاء والتجاوزات، والعمل على حلها، ومساءلة وملاحقة من ينتهكون حقوقنا.
لا نذيع سراً حين نقول بأن الحريات المدنية في الأردن تراجعت، وهذا ما يوثقة تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان، وكذلك تقارير مؤسسات المجتمع المدني الأردنية وحتى التقارير الدولية، وتحت ذريعة الحرب على الإرهاب والتطرف كانت الضحية الأولى بلا منازع الكثير من الحقوق يتقدمها الحق في حرية التعبير والاعلام وحق التجمع السلمي.
من السهل جداً أن تسرد عشرات الأسماء من الذين جرى توقيفهم وحجز حريتهم بسبب "بوست" على الفيسبوك أو بسبب تقرير أو تحقيق في وسيلة إعلام، أو على خلفية المشاركة في اعتصام سلمي منعته أجهزة الأمن أو فضّته بالقوة.
لا تعدم الحكومة وسيلة للتضييق على الحريات العامة تحت حجج كثيرة، وتوظف القانون على مقاسها، وأن لم تجد مفراً تتجاوز على سلطة القانون.
تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان ينتقد التوسع بالتوقيف ومنه التوقيف القضائي، حيث بلغ 28.437 خلال العام الماضي.
التحدي الذي يواجه الدولة الأردنية هو الاعتراف والإقرار بأن احترام وصيانة حقوق الانسان مسؤولية لا يمكن التنصل منها، ولا يمكن لغايات حفظ الأمن ذبح حقوق الانسان وتقديمها قربانا، ولو استطاعت الحكومة أن تتعامل مع هذه الإشكالية المستمرة فإنها تكون قد قطعت شوطاً كبيراً على طريق الحل.
في مشهد حقوق الانسان تفاصيل كثيرة من المهم تسليط الضوء عليها، ولا يكفي الحديث عن تواطؤ الحكومة في ملف الانتهاكات، بل علينا أن ندين التواطؤ المجتمعي بالسكوت عن جرائم القتل بحق النساء، فالأمر لا يتوقف عند حدود تشريعات جائرة تحمي أو تمنع أو تحد من العقوبة ضد مرتكبي هذه الجرائم، ولكن الأهم بيئة ومنظومة مجتمعية تعلي من قيمة القاتل اجتماعياً وتتسامح معه وتقبل جريمته وتبرر لها، وهذه أكبر كارثة تحتاج إلى تصد حتى نحاصر ونوقف جرائم النساء.
انتهاكات حقوق الانسان لا تتجزأ، وهي لا تتوقف عند جرائم التعذيب أو الممارسة المهينة واللاإنسانية، أو المحاكمات غير العادلة والتضييق على عمل مؤسسات المجتمع المدني، وإنما يمتد وهذا لا يقل خطورة إلى غياب التنمية والعدالة في التعليم والصحة والنقل العام.
التصدي لانتهاكات حجز الحرية والتعذيب باعتقادي أكثر سهولة على الحكومة من مواجهة مشكلات التعليم المتفاقمة، والتميز الذي يمارس بأنظمة الاستثناء والتعليم الموازي الذي أهدر فرص المواساة بين المواطنين، وهذا أيضاً يعم الحق في الصحة وتلقي العلاج دون ابطاء وتأخير.
اليوم العالمي لحقوق الانسان فرصة للأردن للتقدم بخطوات إصلاحية ووضع يده على "جرح الانتهاكات" والتصدي لها، فكلفة صيانة حقوق الانسان ربما تكون عالية، ولكن تجاهلها أكثر كلفة وخطراً، والأهم إدراك الحكومة بأن احترام حقوق الانسان أفعال لا أقوال.