استطلاعات الرأي ... إرضاءا للحكومات وتزويرا للواقع !!

استطلاعات الرأي ... إرضاءا  لحكومات وتزويرا  للواقع !!

 

يبدو ان جل الدراسات التي ينفذها مركز الدراسات الاستراتيجي الممول من قبل الحكومة قد أخذ على عاتقه منذ التأسيس وباعتباره شخصية غير مستقله بالمطلق ،  لا من جهة التمويل او الإدارة  ولا من جهة الدراسات التي يتم توجيهها لخدمة الحكومات ، لم تعد تلقى الترحيب والقبول لدى غالبية المواطنين   وفقد الناس ثقتهم بهذه المراكز ، فبعد مرور مائة يوم على تشكيل الحكومات تسارع تلك المؤسسة " الرسمية  " لدراسة اتجاه الناس حيال قدرة الحكومات على تسيير أمور الدولة لتجد انها تلقى مباشرة  قبول اكثر من 70 -  80% من المواطنين ( قادة الرأي )  باستثناء حكومة البخيت  التي حظيت ب 58%  فقط بداية التشكيل ، وحيث تجرى الدراسة دوما على ما يطلق عليهم قادة الرأي الذين يبدو أنهم معدون مسبقا لتطبيق الاختبار دون غيرهم في كل مره ، فأن استمرار توجيه الاستطلاع لخدمة الأفراد والحكومات  وإقصاء المواطن العادي وخاصة في محافظات الفقر والبطالة والجوع جنوب وشرق البلاد  لم يعد مقبولا  او مستساغا ، فعينة تلك الدراسات هم في الغالب قادة فكر ورأي لا يعانون ما يعانيه الناس ولا يمثلون ان وجدوا أكثر من 10 % من تعداد سكان الوطن  .فالأردن لا يحوي 6 مليون قائد فكر ورأي .

أخر تلك الاستطلاعات  التي أجراها المركز كانت حول عدد من القضايا الهامة التي تهم المواطنين، ومن بينها استطلاع أداء الحكومة الحالية للسيد معروف البخيت ، اذ اظهر الاستطلاع أن 60% من أفراد العينة الوطنية يعتقدون بأن الحكومة  قادرة بدرجات متفاوتة على تحمل مسؤوليات المرحلة بعد مرور مائة يوم على تشكيلها !  مقارنة بـ 58% توقعوا بأن الحكومة ستكون قادرة على تحمل مسؤوليات المرحلة في استطلاع التشكيل.  مما يعني ارتفاع نسبة من يثق بقدرتها  بالرغم من تباطوء عملية الإصلاح وتهريب رسمي للمدعو خالد شاهين الذي أثار تهريبه خارج البلاد استياء وسخط الناس عامة  ، وكذلك وما تشهدته الساحة من تطورات على مستوى المسيرات الشعبية في محافظات الفقر والجوع والبطالة والإهمال في محافظات الجنوب  والمفرق ،  ورفض استقبال رئيس الحكومة في محافظة الطفيلة والمناداة بإسقاطه فورا !! ناهيك عن استمرار الاعتصامات والإضرابات التي تشهدها البلاد على مستوى سياسي ومطلبي معيشي ،  فكيف لمثل هذه الحكومة ان تحظى بتلك الشعبية حسب الاستطلاع الأخير رغم الظروف الصعبة التي تعيشها الحكومة على المستوى الشعبي !!

كذلك ، فأن نتائج الاستطلاع ( على عينة الفكر والرأي فقط ) أشارت الى  ان 80 % من العينة الوطنية عبـّروا عن رفضهم لاستمرار المسيرات والاعتصامات الشعبية !!  ولم يؤيدها سوى 15 % فقط !! وتلك نتيجة أكثر من غريبة ان لم تكن مستحيله ، فمعظم قطاعات العمل في نقابات العمال وعمال المياومة والأطباء  والسكك الحديدية في معان والاتصالات الأردنية والعاملين في الخدمات العامة ومهندسو الدوائر الحكومية والعاملين في الجامعة الهاشمية ،  وكذلك ما يشهده معلمو الوطن من حراك واسع لتسريع تأسيس النقابة وكذلك اعتصامات أهالي المعتقلين السياسيين وطلبة الجامعات للمطالبة بتخفيض الرسوم والتكلفة الدراسية وغيرها من التحركات المطلبية والمعيشية والسياسية التي تطالب بالإصلاح ومحاكمة رموز الفساد و التي تجوب شوارع البلاد وتحديدا في شرق وجنوب الوطن لا تمثل حسب استطلاعات الرأي التي خرج علينا بها مركز الدراسات الاستراتيجي سوى 15 % فقط !! وباعتقادي فأن القول برفض 80 % من مواطني الأردن للمسيرات والاعتصامات  ما كان لها ان تكون الا في دول مثل سويسرا والسويد او دول عربية مثل قطر والكويت ! أما أن تكون في بلادنا فتلك نتيجة مستغربة ، إلا ان كان الاستطلاع قد استثنى وهذا مؤكد 90 % من مواطني البلاد من الطبقات الفقيرة والمتوسطة ، او من العاملين بأجهزة الدولة في مختلف مؤسساتها المطالبين بتحسين ظروف معيشتهم !

على عكس مراكز الدراسات والاستطلاعات في العالم ذات التوجهات الوطنية والقومية ، وليس الرسمية ( الحكومية ) كما في بلادنا ، فأن مثل تلك الدراسات والاستطلاعات تحتاج للمزيد منن الشفافية والصدق والتوسع في شمول أفراد المجتمع قاطبة كعينات دراسة حقيقية إن أرادت الوصول الى الحقيقة ، فطالما ان عيناتها انتقائية ونخبوية  واستطلاعها موجه ومحكم الأسئلة للوصول الى النتيجة المطلوبة  ارضاءا للحكومات او الأفراد بعينهم ،  فأن مثل تلك المراكز تشكل عبئا على الوطن وعلى صانعي القرار  تفرحهم بتلك النتائج التي يعلمون انها غير صحيحة تدفعهم للتراجع والخمول طالما ان  الرضا الشعبي عن أدائهم  كبير كما تمثله تلك الاستطلاعات  !!