الشباب العربي: التحديات وتأثير الثقافة الفرعية


يأتي كتاب د. حسين محادين "الشباب العربي: التحديات وتأثير الثقافات الفرعية"، في وقته. إذ شهدنا ونشهد كثيرا حالات من الأزمات الشبابية المستمدة من تنامي الهويات الفرعية بين الشباب. والحال أن ظاهرة صعود الهويات الفرعية تجتاح العالم، وتشكل واحدة من محركات الحروب والصراع القائمة اليوم في أنحاء واسعة من العالم، منها بشكل واضح ومدمر دول عربية، كما يجري اليوم في سورية والعراق واليمن وليبيا. وبالطبع، فإننا في الأردن جزء من هذا العالم؛ ما يجعل ضروريا الاهتمام بالظاهرة واستيعابها قبل أن تتطور في اتجاهات سلبية ومؤذية.
المجتمع الأردني، كما يصفه د. محادين، فتيّ؛ يمثل فيه الشباب نسبة كبيرة. وهو متحول من قيم البداوة والريف نحو قيم المدينة والحداثة، ومنخرط بالعولمة والتحولات المصاحبة لها، مثل حرية السوق وانتشار اللغات الأجنبية والمبادرات الفردية واستيعاب واستخدام التكنولوجيا الحديثة وبخاصة في الحاسوب والاتصالات. وتنمو فيه منظمات المجتمع المدني.
لكن، كيف تصعد اليوم وتُستحضر الروابط القرابية والدينية في المجتمع الأردني على نحو غير مسبوق ومناقض لقيم العولمة والحداثة والتحولات؟ هل يعكس ذلك الصدمة والخوف من التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمعات مصاحبة للعولمة والشبكية؛ أم يعكس الفشل في استيعابها على النحو المنشئ لمصالح وأعمال اقتصادية جديدة تحقق النمو والرفاه والتنمية؟ لماذا صعدت وازدهرت الروابط والدواوين العشائرية والمناطقية والاتجاهات والمؤسسات الدينية، وفشلت الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في إعادة تشكيل الشباب واستيعابهم في برامج وأعمال واتجاهات منسجمة مع الحداثة والعولمة؟ لماذا لم تنجح الانتخابات النيابية والبلدية والنقابية والطلابية والاجتماعية المتكررة، في نشوء هويات وأفكار حديثة جامعة للشباب والمواطنين بعامة؟ على العكس، تحولت هذه الانتخابات إلى تشكلات ومنافسات عشائرية ومناطقية، وكأننا نجري عمليات تحديث وصيانة للبداءة والعزلة المناقضة للحداثة والديمقراطية المفترض أننا نطبقها.
يشير د. محادين إلى الفكر والتكنولوجيا كأداتين للفكر العولمي الجديد، وكيف أدى انتصار القيم الغربية الليبرالية في أواخر الثمانينيات إلى نشوء مركزية غربية للعولمة؛ تعبر عن ذلك مقولة فرانسيس فوكويا الشهيرة "نهاية التاريخ"، والتي ضمنها في كتاب له بهذا العنوان، ويبشر فيها بنهاية الأيديولوجيا وصعود الليبرالية الغربية. وكذلك مقولة صمويل هنتنغتون "صراع الحضارات"، التي ضمنها أيضا في كتاب له بالعنوان نفسه؛ ويعتقد فيها أن الإسلام والصين يمثلان التحديين الرئيسيين للحضارة الغربية بقيادة الولايات المتحدة.
لقد استوعب الشباب العربي المؤسسات والمهارات والأدوات الغربية في التعليم واللباس وأسلوب الحياة والتكنولوجيا، لكنهم يواجهون أزمات وتحديات في اكتساب واستيعاب القيم المفترض أن تتشكل حول هذه المعارف والمهارات. إذ نشهد اليوم قيماً تعود إلى عالم لم يعد موجودا (البداوة والريف)، محملة على مهارات ومعارف حديثة مستمدة من الصناعة والحوسبة والشبكية. وفي ذلك من الأزمات والصراعات ما يفوق كثيرا لو بقينا مجتمعات رعوية وزراعية.
هذه هي الأزمة نظريا. لكنها تبدو عمليا، على وضوحها وبساطتها، تعصف بمواردنا ومؤسساتنا ومنجزاتنا التنموية!