تقرير المحاسبة ويوم محاربة الفساد العالمي


من الطبيعي أن يأخذ تقرير ديوان المحاسبة الأخير كلّ هذا الاهتمام الإعلامي والشعبي، وفور إصداره، فهي المرة الأولى الذي يُتاح كاملاً، وعلى شكل ملف واحد، على الموقع الالكتروني للديوان، وكان هذا مطلباً عاماً على مدار السنوات، ولكنّ الحكومات كانت تتجاهله، وتعمل على تجاوزه بكل الوسائل الممكنة.
وفي حقيقة الأمر، فإنّ كلّ التقارير السابقة مهمّة، وظلّت تؤشر على الاختلالات والتجاوزات والهدر المالي وشبهات الفساد، ولكنّه يمكن القول إنّ التقرير الأخير يحمل أهمية خاصة، باعتبار أنّ ما يكشفه لا يُصدّق في دولة تمرّ بظروف اقتصادية كارثية، وتكاد تصل المديونية فيها إلى الثلاثين مليار دينار أردني.
وتقتضي الأمانة منّ الجميع أن توجيه رسالة شكر للديوان، ليس على المضمون المهني فحسب، بل على توقيت النشر، فالعالم والأردن معه سيحتفل باليوم العالمي لمحاربة الفساد بعد غد، وهي المناسبة التي ينبغي أن نتوقّف فيها عند واقع الحال، فنعرف ما لنا وما علينا، ونجيب على السؤال الدائم: هل نحن نحارب الفساد فعلاً، أمّ أنّ الأمر لا يتدى كونه عملية تجميلية، لا أكثر ولا أقلّ؟
التقرير يجيب عن ذلك بكلّ صراحة، ودون إنشاء كلمات لا تسمن ولا تغني من جوع، بل بالارقام والأسماء، فنحن لسنا في حال: مكانك سرّ، كما كنّا عادة، بل تجاوزنا ذلك إلى تراجعات درامية في التعامل مع المال العام، وإساءة استعمال السلطة العامة من أجل منافع شخصية.
قبل أقلّ من سنة، خرج رئيس الحكومة الدكتور عبد الله النسور علينا بتصريح مفاده أنّه لم تسجّل خلال ولايته قضية فساد واحدة، وقُلنا حينها إنّ الأمر يعني حالة إنكار واضحة، وها هو التقرير يُثبت العكس تماماً، ولعلّ لسان حال الشعب الأردني يقول الآن: قبل أن تلجأ الحكومات إلى جيب المواطن برفع الاسعار، فعليها أن تبدأ بنفسها بوقف الهدر والفساد.
ديوان المحاسبة هو المؤسسة الأردنية الأكثر استقراراً في تاريخ الدولة، وخلال عمره الذي هو من عُمر دستور ١٩٥٢، تولى رئاسته ١٥ شخصاً، بمعدل خمس سنوات للرئيس، وإذا استثنينا بعضهم ممن تولوه لأشهر أو سنة وقليل، فإنّ المعدل أكبر من ذلك أيضاً، وهذا ما يستدعي منا الشعور بالفخر بأنّ هناك مؤسسة أردنية تعمل بكفاءة واستمرارية واستقلالية أيضاً.