تضمين العنف برسائل خفية ؟


تكثر التساؤلات حول جذورالأسباب المسرّعة لوتيرة العنف محوّلة إياها الى كرة ثلج متدحرجة تجرف بضخامتها المتفاقمة إنسانية الإنسان لتقذفها بهاوية الانقراض والنسيان.. هل هي التربية الأسرية ، التعليم، الإعلام، الفاقة ، الطمع ،الجهل، المصلحة الآنية ؟..الخ من عناصر نحاول البحث بمكنوناتها لتشخيص الداء وتركيب الدواء الأنسب ، حتى بدأنا نضع اللوم على فيروس خفيّ استقر خفية بمياهنا وهوائنا وترابنا ناشرا عدوى العنف بالفكر والقول والفعل والسلوك، حاصدا بمنجله كل توصيات المؤتمرات والندوات والحملات الداعية للقضاء على العنف بأنواعه أُسَريا ومجتمعيا ودوليا، فالعنف بازدياد وتياراته متعددة بعد ان اتسعت دائرته وراجت تجارته الساعية لتحقيق المكاسب من دماء الأفراد والجماعات والشعوب المعنَّفَة..ولا حياة لمن تنادي لأن هنالك من يؤجج نيران العنف خِفْية للاستفادة من تفاقمها واشتعالها..


وهكذا تبقى العلاقة طرْدية بامتياز بين جرعات التوعية للقضاء على العنف و ارتفاع نسبة العنف.. سواء العنف المرتكَب ضد المرأة او الطفل او الرجل او المجتمعات بل الشعوب بأسرها ، وحدِّث بلا حرج عن تشكيلة العنف المتباينة..

قد يرفض البعض نظرية المؤامرة..وكذلك نحن.. فالعنف المحلي والعالمي هما من صنع الإنسان نفسه وعلى نفسها جنت براقش!

ولكن من المؤكد ان هنالك فئات مستفيدة تحاول تجيير الأوضاع القائمة لمصلحتها واجدة ضالتها بالعنف كوسيلة لتحقيق أرباحها.. مستخدمة أدوات متعددة كالإعلام بأبسط صوره زارعة إياه بافلام الناشئة فبقدر ما يبدوالفيلم الكرتوني بريئا بمظهره الا انه كثيرا ما يحمل بمضامينه رسائل خفية هدامة لها مفعول تراكمي يؤطر سلبيا التوجه والسلوك عبر رسائل خفية تتم بين مرسِل ومستقبِل..

فالايحاء الخفي موجود بالأفلام والإعلام والإعلان.. الخ، وله دور مؤثر سلبا او إيجابا لا نستطيع نفيه تماما كدور الضمير المستتر بقواعد اللغة العربية إضافة لدوريْ الضميريْن الظاهريْن المنفصل والمتصل..

فالرسائل التي يرسلها المرسِل تتراوح بين مباشِرة وخفية اوشبه خفية يكون لها مفعول السحر بالتأثير على المستقبِل، فكم من طلاب نجحوا وتألقوا بفعل الرسائل الإيجابية المرسَلَة من المعلم إو العكس تماما..

ومع التطور التكنولوجي اصبح بالإمكان توجيه المتلقي عبر الإنترنت مباشَرة او غير مباشَرة ، من خلال رسائل ضمنية خفيّة تقلب كيان المتلقي من الداخل دون ان يُعرف السبب وراء هذا التغيير..

وكثيرا ما يتم توجيه الجماهير عبر عملية غسيل دماغ غير مرئية وغير مسموعة وغير مشاهدَة فكما يتم الترويج بمهنية إعلامية رفيعة مثلا لعطر فاخر تضعه امرأة جميلة عبر رسالة ضمنية بان للعطر تاثير ساحر جذاب ، لتنزرع الصورة باللاوعي ، وتسارع النساء لشراء هذا العطر المعلَن عنه..وهكذا..فالرسائل الضمنية بأهدافها المتعددة تنجح بإحداث التاثير المطلوب وفق التكنولوجيا المتاحة..

ناهيك عن وسائل أخرى أكثر خطورة تتم عبر استخدام الرسائل الضمنية بفيديوهات بريئة تعرض مناظر لبحر تصطفق أمواجه بايقاع شجي يهدئ السامع ويحلق بالروح عاليا..

ولكن قد يحدث العكس تماما فسرعان ما يتعكر صفو المُشاهد والسامِع لوجود رسالة ضمنية مخفية لا تلتقطها الأذن مباشره ، تبث رسائل سلبية تحثه مثلا على الخنوع واللامبالاة والضعف والاكتئاب او تروّج للعنف الخ من المشاعر السلبية المعرقلة لمسيرة الانسان وإنجازه ، غير مدركين السبب وراء هذا التحول للأسوا عند بعض الفئات والمجتمعات مما يقوِّض الروح المعنوية لتصبح لا حول لها ولا قوة.. وهنا مربط الفرس..

ولا يتوقف الأمر عند هذا فعصر المعلومات بشبكة الإنترنت المتمددة أوصلتنا للجيل الرابع للإنترنت الذي حوّصل الإنسان الى شيء هو الآخر،

The Internet of things Internet of Things or

(IOT)

كيف ؟ عبر إنترنت تربط الأشياء ببعضها فتتعاون كفريق عمل كل يقوم بدوره لتحقيق الهدف المطلوب ، محسِّنا من الظروف العملية والحياتية هذا إن لم يُستعمل عكسيا..

وسيتم قريبا ربط الإنسان بالجماد والحيوان عبر زرْاعة مجسّ صغير بحجم حبة «الأرُز» بذراعه يتواصل من خلالها مع الأشياء المحيطة لتلبي احتياجاته وفق الزمان والمكان والحالة دون ان ينطق بكلمة..

فمثلا لو عاد لمنزله عطشانا يشكو من الإرهاق فبالحال تتفاعل ثلاجته معه وتقدم له ماء باردا، ويقوم التلفاز باطلاق موسيقى حالمة وعرْض مناظر طبيعية ساحرة تحسّن مزاجه وهكذا..

يعني تمت «تشيئ « الإنسان ليصبح هو الآخر شيئا مَشاعا لا خصوصية له من خلال مجّسَ لاقط يسرد تفاصيل هذا الإنسان فيؤثر بمن حوله ويتأثر بغيره.. صحيح..ولا أفلام الخيال العلمي!

فمثلا قد ينقلب مزاج الإنسان فجأة فنتساءل: شو صار لُه ما كان منيح قبل شويّ؟

دون ان ندرك الدور الخفيّ المتحكم به عن بعد..

ترى ماذا اعددنا من عدّة ومن رباط الخيل لمواجهة هذا التيار المعرفي ونحن الذين نقبع دوما بدائرة المسْتَكينين المستقبِلين المتلقّين لكل غثّ وسمين..

ويا لخوفنا من هذا الغثّ المنهال علينا من كلّ حدْب وصوْب!

hashem.nadia@gmail