تصدعات في... «نفط الأردن»؟



قبل أيام، كتب زميل صحافي ما معناه أنه إذا أردتَ أنْ تقيس مستقبل الأردن فعليك أنْ تنظر إلى حال جامعته الأولى «الجامعة الأردنية»، وهي حال صارت تدعو إلى التشاؤم، عقــــب سلسلة من المشاجرات الجماعية والعنف الجــامعي على أسس مناطقية بين طلاب في الجامعة واجهوا زملاءهم في الدراسة بالأسلحة البيــض والسيوف، مستنجدين بمددٍ من شباب عــوائلهم وأحيائهم ومعارفهم لدعمهم في معركة «كســـر خُشوم» خصومهم الجامعيين.

 

 

وعلى مدى الأيام المــاضية كتب كثيرون في الصحافة الأردنية يرثون الحالة الجامعية وينتقدون سياسات القبول ورخاوة الضبط القانوني، وأجمعوا على أنهم يعيشون حالياً أسوأ سنوات «الزمن الجامعي» الأردني، فالجامعات بعدما كانت «نفط الأردن» وأهم موارده، أصابتها التصدعات، وصارت ساحة لتظهير الانقسامات والظواهر المَرَضية، بعدما كانت لعقودٍ ميداناً عملياً لإنتاج النخب وتصديرها إلى الخارج، إلى جانب دورها الأساسي في تفكيك إشكالات الهوية الوطنية الأردنية وتذويب ثنائياتها لمصلحة هوية مدنية جامعة، أبعدت البلد، في ظل نظام سياسي يتسم بالمرونة والاعتدال، عن دوائر الخطر والنيران المشتعلة في كل صوب.

 

 

اليوم، تكاد تتفق النخبة المثقفة في الأردن على أنّ حالة الاستقرار التي تعيشها المملكة، في ظل جوار ملتهب، تنطوي، في الحقيقة، على مصادر تأزيــم موضوعية تشكّل تهديدات حقيقية تأكــل مــن حالة الاستقرار. ومنبع تلك المصادر، فـــي شكل أساسي، انتشار منظومة الفساد الســياسي والإداري والمالي التي ضعضـــعت الطبقة الوسطى، تلك التي لم تعد تنظـــر إلى نفسها كفاعل مؤثر في مستقبل الدولـــة ووجهتها، وراحت تقـــوم بإدارة شؤونها بعيداً من النخـــبة السيـــاسية والاقتصادية في بلادهـــا، ما عنى تراجع الدافعية لتبني الثقافة كمشروع حياتي يستحق النضال والتضحية.

 

 

والثابت أنه بضعف الطبقة الوسطى أو تآكلها في أي مجتمع تغيب الإجماعات الوطنية العريضة، والتوافقات القيمية المشتركة المــؤسِّســـة الاستقرار المستدام غير القِشري، وهو ما انعكس بالفعل في الجامــعات الأردنية، التي وإنْ حافظـــتْ على سَويّة أكاديمية جيدة مقارنة بكثير من نظيراتـــها العربيات، فإنها لم تخــلُ من ظواهر مقلقــــة تعكس أزمة التعليم المدرسي، حيث تتكرس في حياة الطلاب الجـــامعيين الهويات الأولية والمناطقية، فتـأخـــذ من نصيب الثقافة الوطنية الجامعة، وتشيــع بين الطلاب المحافظة الدينية فتقضم مــن حصّة الانفتاح والتمدن والاعتدال وبعض مظـــاهر الليبرالية الاجتماعية التي انتشرت قبل عقـــود في الجامعات الكبرى بالأردن، لتحلّ بدلاً منها في السنوات الأخيرة ثقافة متشددة تُسوّغ للتمييز على أساس الجندر وســوى ذلك من أقانيم التأخر الاجتماعي.

 

 

وفي وضع كهذا، يغيب التجانس القيمي في الطبقـــة الوسطى، وتنزع أكثر فأكــــثر إلى البحث عن هوية مضطربة، لا تعبأ بتمـــثّل كونية القيم الإنســـانية، فتتكئ على التصــورات الميتافيزيقية التي تعزز من انكفائـــها وضعف رغبتـــها في صناعة مصيرها، في ظل تمنّع السلطة عن الإصلاحات السياسية الحقيقية وتأجيلها المتكـــرر تحت ضغط «ثالوث القلق» المزمن: قلق من الديموغرافيا ومن الجغرافيا ومن التغيير الديمـــوقراطي الواسع «غير المسيطَر عليه»، الأمـــر الذي أضعف، في المحصلة، وظيفة الأداة الانتخـــابية كأحد مفاتيح العملية الديموقراطية وتجديد المجتمعات والنخب ومراجعة الأخطاء، فأصبحت الانتخابات وسيلة لتثبيت الواقع الاجتماعي وإضفاء الشرعية على ما فيه من خلل وأمراض وفساد.

 

 

 

 

 

 

 

 

* كاتب أردني

 

 

للكاتبTags not available