العين د. عميش يوسف عميش و«المهارات الأخرى»


منذ زمن وأنا أتابع مقالات العين د. عميش يوسف عميش فأجد فيها معالجة لهموم إنسانية يعيشها مجتمعنا الأردني. بالأمس قرأت مقالة والذي جاء تحت عنوان «مناهج التعليم تحتاج إلى إضافة مهارات أخرى».


المقال يقرأ بحق عيوب مناهجنا التعليمية، وهي عيوب يتغاضى الكثيرون عنها.

كل الانتقادات التي توجه إليها إذا لم أخطئ تتعلق بالأمور الدينية وكأن استبدال هذا الاسم بغيره بات خروجاً على الدين، وهو طبعاً ليس كذلك.

في تصوري أن الصفحة حول تعديل مناهجنا التعليمية مبالغ فيها يقف وراءها من يريدون شدّ العربة إلى الوراء.

مفردات يتم إخراجها عن سياقها العام ليبدو السياق نفسه مكشوف العوار، وهو أصلاً ليس كذلك.

العين د. عميش بنظرته الثاقبة وضع اصبعه على الجرح فمناهجنا بحاجة فعلاً- وكما ذكر- إلى «أمور إبداعية» هي في صميم أية مناهج تعليمية تواكب حداثة العصر نبّه على نواقص تعاني منها مناهجنا.

وأزعم أن هذه النواقص قد تداركتها مناهجنا في الخمسينات وحتى قبل ذلك.

وأذكر هنا حين كنت طالباً في المرحلة الابتدائية في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات أن المهارات المتعلقة بِ تعلم «الخط» والرسم والموسيقى واللغات والتمثيل والغناء والرقص والرياضة والكشافة كان يُعنى بها عناية خاصة.

اليوم يغيب الاهتمام بهذه المهارات والنشاطات وكأنها أمور تّرّفيّه – إذا جاز التعبير- باختصار يتم تهميشها !

د. عميش سحق حين يدعو إلى مراعاة «التقسيم العمري» في التعليم. ما نلاحظه أن هذا غير موجود هذه الأيام. الموجود هو «الحفظ» و»التلقين» دون مراعاة لعمر الطالب وخاصة الصغار!

لا يجوز الإصرار على إقحام الدين في كل شاردة وواردة وكأن اللجان التي أشرفت على المناهج وأعضاؤها هم قامات عالية في التربية والتعليم، كان هدفها تشويه المناهج!

هذا غير صحيح. معاذ الله أن يكون هنا هدف صفوة من العلماء وأرباب اللغة!

دعونا نركز على «الناحية الإبداعية» كما أشار الكاتب في مقاله «الناحية الإبداعية» مع الأسف لم يتم تطرّق منتقدو المناهج إليها.

في دراسة موضوعية له يقول عالم التربية الراحل أ. د. محمد جواد رضا: «إن عملية تطوير قوى فكرية عند المتعلم تفرض إجراء تغييرات تركيبية مُعينة في كل من مفردات المنهج وطرق التدريس وعلى جميع مستويات التدريس من المدارس الابتدائية والثانوية إلى الجامعات والكليات.

د. محمد جواد رضا كتابه: «إعادة البناء التربوي للعراق. استعادة الذات الوطنية» ص8.

وفي موضع آخر يقول مؤكداً ما ذكره العين د. عميش في مقاله المنشور في الرأي الغراء بتاريخ 26 تشرين الثاني من «أن التعليم المبدع والتعاوني هو الذي ينتج مواطنين أذكياء حقاً، مواطنين مُحرّرين من المحرّمات والممنوعات التي فرضتها التعقّبات الدينية، مُسلحين بالمعارف والمهارات الضرورية للتفوق في تنافسيّة العالم الحديث، ومالكين رؤية ثاقبة وناقدة لطبيعة المشاكل الاجتماعية أو الطبيعية التي تواجههم وتشكل تحدياً لوجودهم» المرجع السابق ص9.

نحن بحاجة إلى تعظيم وعي المتعلمين بالطبيعة التطورية للعلم ماضياً وحاضراً ومستقبلاً كما يؤكد عليه الراحل د. جواد رضا. لا نريد أن ندفن رؤوسنا في الرمال!

وهنا أود أن أشير إلى ضرورة إدخال الخطاب الديني المستنير إلى مناهجنا التعليمية الجديدة وكتبنا المدرسية لتألفه عقول المتعلمين منذ أولى المراحل الدراسية.

إن إدخال هذا الخطاب في مناهجنا من شأنه أن يُوطّد صلة الناس بعضهم ببعض مُحترماً «الإنسانية المشتركة» بينهم.

نريد لطلابنا «عقولاً مفتوحة» لا «منغلقة»، ولن يتم هذا إلا بالانفتاح على حداثة العصر وعلى المشترك الإنساني بين الشعوب، فهل نفعل؟

أخيراً أحيي العين د. عميش على خصوبة مقاله وحسن مقاربته لموضوع المناهج ودقّة مفرداته.