أثارة من «وصفي التل»


كان اول عهدي بـ»الرأي» قصيدة كتبتها في رثاء «وصفي التل» رحمه الله ونشرتها الرأي في اطار بارز من صفحتها الثانية وذلك في شهر ايلول عام 1971م وقد استمع الاردنيون الى هذه القصيدة وعنوانها: «سبقتنا بخطوتين». اربع مرات من اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية ثم طواها الزمان حتى اواخر التسعينيات او قريب من ذلك فاذا بجريدة «الميثاق» التي يصدرها الشيوعيون تنشرها في عدد خاص عن «وصفي التل» ثم اني كتبت عن ظروف كتابتها في الملحق الذي اعده مركز الرأي للدراسات ايام كنت مستشارا فيه وفي الجملة يمكن القول ان هذه القصيدة التي مثّلت الوجدان الشعبي الاردني عشية مقتل وصفي التل، والتي مضى على كتابتها خمسة واربعون عاما، لا تزال تذكرني بما استشعرته اثناء تأليفها من غلبة الشعور الجمعي عليّ، مع اني لم اكن اعرف «وصفي التل» معرفة تبعث الشعر في نفسي، ولم اكن قرأت اعماله الفكرية ولا سيما محاضرته التي ألقاها في الجامعة الاردنية قبل اغتياله بمدة وجيزة والتي تضمنت مشروعا (واضحا) لتحرير فلسطين يقوم على بناء الدول العربية المحيطة باسرائيل بناءً «اسبرطيّاً» بحيث تكون طوقا محكما حول الكيان الدخيل.


لقد كنت «ابن القبيلة» قبل اي شيء آخر. وقد تقمصتني «روح القبيلة» فكانت تلك القصيدة. واذا كان الفيلسوف الالماني هيجل يرى ان «الدولة» امتداد للاسرة فان بي ان اسأل نفسي: الى اين امتدت بي روح القبيلة التي املت علي قصيدتي، واين انا الآن من هذه الروح، والى اي فضاء افضت بي، واي امد انتهيت اليه بعدها بخمسة وأربعين عاماً.

الحق اقول انها اسئلة يتقرر، بالاجابة عنها، مصير احدنا وترتسم آفاق وجوده، ولكنني على الرغم من ذلك، اعرف اجوبتها من نفسي التي لا تجد حقيقتها في الأفق الانساني الواسع، ولا تسكن الى انتماء حميم سوى هذه الرحم الانسانية الجامعة التي تجعل الارض كلها لي (كما في الهدى النبوي الشريف) مسجداً وطهوراً أو تجعلني مواطنا عالميا اؤمن بوحدة الخلق ووحدانية الخالق سبحانه، وبأن الخلق عيال الله، كما قال رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، أحبّهم الى الله انفعهم لعيالِهِ، وان الانتماء الكوني الواسع لا يمنع من اي انتماء صادق حميم دونه.

رحم الله وصفي التل، فقد عبرت بنا - من قريب - ذكراه.