"الحرم" ليس بدعة!



لا يرضى أحد ولا بأي حال من أحواله بما حصل قبل أسبوع من أحداث مؤسفة في الجامعة الأردنية. مؤسفة أخلاقيا قبل أي شيء، وثقافيا ومجتمعيا وتعليميا. إنما هذا الفعل غير المسؤول لا يبرر أيضا تصريح وزير التعليم العالي حول حرم الجامعة، واعتباره "بدعة” لا ترقى إلى مرتبة السنة المتعارف عليها. فالدفاع عن سمعة جامعاتنا الوطنية لا يتم من خلال الغاء الحرم الجامعي، وبالمحصلة حرمان المجتمع الطلابي الواسع بكل فئاته وتنوعاته ومطالبه، من حقه الأزلي في ممارسة حياته الجامعية المحترمة، بل المحترمة جدا، بحرية وشفافية و نزاهة، تؤسس لحياة ديموقراطية قادمة ممارسة وفكرا واعتيادا، خارج أسوار الجامعة.
معالي الوزير الذي ظهر في لقاء مسائي خاص على التلفزيون الأردني قبل يومين، استشهد بالجامعات الغربية التي درس فيها، مؤكدا أن مفهوم "الحرم” غير موجود أصلا في مثل تلك الدول، متجاوزا معاليه فكرة بسيطة جدا؛ أن المجتمعات الغربية الجميلة الهادئة المتقيدة بالقوانين، لا تحتاج من الأساس لأسوار مغلقة تمارس داخله حرياتها السياسية والفكرية والعقائدية، هذا إذا حصرنا دور الحرم الجامعي في مفهومنا بهذه الزاوية الضيقة!
الغريب إن مسؤولينا في غالبيتهم، حتى الذين أكملوا دراساتهم في الخارج، هم أساسا من خريجي جامعتي الأردنية واليرموك بالتحديد. والأغرب أنهم وبالرجوع إلى ألبومات صورهم أيام الستينيات والسبعينيات في القرن الفائت، سنتعجب من مذكراتهم الخاصة داخل حرم الجامعة، باعتبارها ذكريات مشرفة وبطولية؛ عاصرت مشاهد سياسية ومفاصل تاريخية مرت بها أمتنا العربية، رافقتها بطبيعة الحال حراكات فكرية وأيدولوجية متباينة، سمحت لهم طلبة الأمس بالتعرف على أوجه أخرى للقراءة والحكم والعيش وبناء الشخصية والعقل والعاطفة، والنظرة إلى النفس والآخر وبالتالي التعامل معهما، تبعا لتلك الأفكار والمعتقدات.
وأجزم أن ظاهرة العنف الجامعي لم تكن من ضمن نشاطات المجتمع الطلابي آنذاك. إنما هذا لا يعني أبدا أن غياب المظاهر الحضارية لتلك الحقبة الزمنية، وابتلاءنا اليوم بمشاهد الضرب والتهديد والملاحقة، سببه راجع للمساحة المكانية ما بين بوابات الجامعة وساحاتها. فهذا العنف الذي نخاف من استشرائه بين مباني وكليات الجامعة، لم يتولد هناك أساسا، بل لم ينمُ هناك أيضا حتى نتراكض نحو الحل الأسهل، الذي سيخوف بعض الشباب من نواياهم، بدل أن نكون قد أسسنا منذ سنوات طويلة من خلال منظوماتنا التربوية والمجتمعية والإعلامية والدينية، لأخلاق فاضلة ومتينة ومتماسكة. واليوم وحتى لو وقعت الفأس بالرأس، لو لم نعد قادرين على احتواء هذه الآفة الهجينة المخزية، لنا و لهم سواء، فليس الحل الذهبي بإلغاء حرمية جامعاتنا.
هذا القرار الذي لا يحترم استقلالية رئاسات الجامعات و إداراتها ومنظومتها الداخلية، سيكون الحجة الأولى والمقدمة على طبق من ذهب للمنظمات العالمية التي تقف بالمرصاد لجامعاتنا منذ سنوات، لتسحب منها اعترافها وتقضي على سمعتها ومستقبلها، هذا الإجراء الذي يقول عنه معالي الوزير في المقابلة نفسها إنه محض إشاعة أرهبت إدارات جامعاتنا لسنوات طويلة، وهي لا أساس لها من الصحة. وربما هذا التصريح بحد ذاته يحتاج لمجهود صحفي بسيط، في قابل الأيام يستقصي حقيقته.