مؤتمر «فتح» السابع هل يكون... «الأخير»؟


اليوم... واذا لم تحدث مفاجأة من العيار «الأثقل»،ينعقد المؤتمر السابع لحركة فتح، التي يصعب الان, رغم الضجيج الذي رافق ويرافق وسيرافق، هذا المؤتمر غير المسبوق في خلافاته ومناوراته وتعدد معسكراته وخصوصا المعسكر الذي يشهد صراعا محموما على وراثة محمود عباس, بما هو رئيس للحركة وبالتالي السلطة (دع عنك منظمة التحرير, التي لم تعد ذات وزن في عصر ما بعد اوسلو) نقول: يصعب الزعم بان فتح ما تزال على ذات الوزن والتأثير والدعم الشعبي الذي كانت عليه في عهد ياسر عرفات، ما بالك الان وقد بات معروفا ان فتح تصدعت وبات لها آباء كثيرون وورثة اكثر, منهم من يواصل استثمار «ريع» النضال السابق رغم نقله البندقية من كتف الى آخر, ومنهم من جيء به فجأة الى الصفوف الامامية, وراح يصف نفسه بقائد الشعب الفلسطيني والمُرشَّح لقيادته, بل ووجد من يدعمه في عواصم الاقليم العربية, وبما يعنيه ذلك من دعم عبر المحيطات, ودائماً في غرف التخطيط الاستراتيجي.. الاسرائيلية.


المؤتمر السابع يلتئم اليوم في «المقاطعة» برام الله، يختلف في ترتيباته وغاياته عن المؤتمرات الستة التي سبقته, سواء «أول اربعة» عُقدَت في العاصمة السورية دمشق, ام مؤتمر تونس الخامس العام 1988 وخصوصا المؤتمر السادس الذي عُقِدَ بعد تأخير طويل استمر (21) عاماً, حفلت خلاله تلك الحقبة بتغييرات دراماتيكية في توجهات فتح، قيادات وكوادر عليا، كانت محطة اوسلو نتاج استثمار سيئ للانتفاضة الاولى وملابسات كادت تودي بمنظمة التحرير، دورا ونفوذا وتمثيلا، وبخاصة بعد حرب الخليج الاولى (عاصفة الصحراء) الى ان وَقَعَت «فتح» في فخ اوسلو واوقعت القضية الفلسطينية في حفرة ازدادت عمقا عاما بعد عام, لم تنته في عملية السور الواقي واغتيال عرفات, بل اوصلها موت عرفات الى تخوم التصفِية، الامر الذي اسهم في تدني منزلة ومكانة الحركة التي فجّرت الثورة الفلسطينية المعاصرة, وادى الى اندلاع الصراع فيها وتحوّله الى «حرب» على المناصب والامتيازات وبطاقات الـ»VIP» ودائما في استيلاد مشروعات التسوية ومبادرات السلام التي «يتبرع» بطرحها «ثوار» المرحلة السابقة, بالاشتراك مع بقايا اليسار الصهيوني المندثر، الذي لم يؤمن ذات يوم سوى بمقولة «أرض اسرائيل» التي «تطفّل» الفلسطينيون عليها, في غفلة من زمن الشتات اليهودي(..).

المؤتمر «السادس» الذي انعقد لاول مرة على الاراضي الفلسطينية (بيت لحم آب 2009) كان مؤتمراً لتقسيم ارث عرفات وتوزيع «الكعكة» على مَنْ وقفوا الى جانب عباس في صراعه مع عرفات, الذي لم يعد في رأي ادارة بوش الابن وخصوصاً لدى شارون «ذا صلة» ما استوجب اختراع منصب رئيس الوزراء في سلطة لا تملك من امرها شيئا، الى ان رضخ «الختيار» بعد ان غدا بلا صلاحيات وتحت الحصار, فانقض عليه الاقربون وكان ما كان.

تفرّقت السُّبل بـ»الحلفاء», واختلفت التحالفات والاصطفافات بينهم, وباتت فتح ساحة للصراع وبخاصة بعد ان لم يعد قطاع غزة يشكل ثقلا لمن وَظّفوا «القطاع» لخدمة طموحاتهم الشخصية, استيزاراً ونفوذاً واموالا تُجمع من المعابر والعمولات, واذ تمكنت حماس من احكام قبضتها على القطاع والتنكيل بباقي القوى والفصائل الفلسطينية وفي ضمنها فتح، فان «رام الله» غدت ميدان المعركة, فتعززت «المعسكرات» وازدادت الطموحات الشخصية. لم تنحصر في محمد دحلان بل ظهر سلام فياض وتحالف مع ياسر عبدربه, فارتبكت «القيادة» وسرَّعت عمليات الاطاحة والإبعاد, على نحو كان من «نصيب».. الازلام والمحاسيب.

انتهى المشهد على صراع مفتوح، عندما لم يُفلِح عباس في لملمة شتات الحركة, وفشل في الوفاء بوعوده في شأن قطع المفاوضات وتعديل المسار, فاستغل هؤلاء الفرصة للتصويب عليه وخصوصا ان هبوب رياح «الربيع العربي» عصفت بالجميع, فكانت عواصم الاقليم حاضنة للبعض بهذا الشكل او ذاك, دون اهمال ان قطاع غزة تعرّض لأربع حروب كارثية, لم تُقدِّم فيها السلطة اي دعم لشعبه، بل وقفت في خندق آخر يصوّب على حماس، دون ان تلتفت الى معاناة الشعب والحصار الخانق حوله. فكانت حرتقات حزبية وحركية, اكثر منها وطنية واخلاقية.

ليس مهما الان الزعم بان المؤتمر السابع قد انتخب قيادة جديدة, وان اسماء قد برزت واخرى تراجعت، بل المهم هو ان اي برنامج سياسي «نضالي جديد» لن يصدر عن هذا المؤتمر, ما يجعله مجرد مؤتمر تنظيمي، جرى فيه تصفية اجنحة ومعسكرات وشخصيات, لا تتماشى مع»خطاب» القيادة الحالية, تارة باسم «التجنُّح» وطورا باسم قواعد اللعبة الديمقراطية، إلاّ انه ومهما كانت نتائج هذا المؤتمر ، ستكون اكثر خطورة وتأثيرا سلبيا على تماسك الحركة (غير المُتماسِكة اصلا), ما يمنح فرصة للكثيرين ممن يتربصون بقضية الشعب الفلسطيني ويسعون الى تصفيتها والتخفف من اعبائها في الداخل الفلسطيني وخارجه الاقليمي، ان يعودوا لممارسة لعبتهم المفضلة, في اللعب على التناقضات الفلسطينية, ما يُعيد الى الاذهان مسار القضية الفلسطينية منذ ثورة العام 1936 حتى الان.

ليس مبالغة التوَقُّع بان المؤتمر السابع لحركة فتح, سيكون المؤتمر «الاخير»، لان الحركة في ما يبدو وصلت الى ذروة ضعفها, ما يُصعّب على المخلصين والوطنيين في صفوفها, استعادة شبابها.. وتأثيرها.