عريب الرنتاوي يفتح النار على حسين مجلي ويشكك في سبب استقالته

 اخبار البلد_ غريب وعجيب، أمر استقالة الوزير حسين مجلي...مصدر الغرابة لا يكمن في الاستقالة ذاتها، ولا بتجاوزها على السبب الأبرز الكامن وراءها: هرب (أو تهريب) خالد شاهين...بل في «الأسباب الموجبة» للاستقالة كما أوردها الرجل بنفسه...وهي أسباب تدعو للأسف الممزوج بقليلٍ من الرثاء وكثيرٍ من السخرية السوداء...وتلقي بأضواء كاشفة على «حال النخب السياسية» المعارضة في بلادنا، والتي ما أن تلوح في أفقها بارقة الانتقال «للموالاة» حتى تهرول سريعا لحجز مقعدٍ لها على مائدة «الدوار الرابع»، وإن لبضعة أسابيع أو أشهر، تكفي للحصول على اللقب وامتيازاته.

من يقرأ كتاب الاستقالة، يظن أن الوزير/المعارض كان مدعواً عند التشكيل، للانضمام لحكومة برئاسة جياب أو هوشي منّة، زمن الحرب الفيتنامية...أو حكومة كاسترو / جيفارا وهما على مشارف الإطاحة بالجنرال باتيستا...أو – ربما بتواضع - أنه كان مدعواً لعضوية «مجلس قيادة الثورة»، أو حركة «الضبّاط الأحرار»...وليس لحكومة الدكتور معروف البخيت الثانية، في الأردن، وفي مفتتح العقد الثاني من الألفية الثالثة ؟!

من يقرأ كتاب الاستقالة، يظن أن صديقنا، الحقوقي والسياسي المخضرم، قد تعرّض لخديعة كبرى عندما دُعي للانضمام لحكومة البخيت، إذ ظنها على ما يبدو، «هيئة أركان» الثورة والتغيير، قبل أن يُفجَعَ بأنها حكومة «التعديل» و»التبديل»...ظنها حكومة الحرب على عدو العرب الرئيس: الولايات المتحدة الأمريكية، فإذا به يصطدم بحقيقة أنها ليست كذلك، وأنها حكومة وَضَعَت في القلب من أولوياتها، هدف الحفاظ على صداقة «العدو الرئيس» وتعزيزها واستدرار مزاياها ومساعداتها.

من يقرأ خطاب الاستقالة، المستوحى من العهد البعثو – ناصري، يظن أن الحكومة التي يستقيل منها المحامي/الوزير، كانت لغزاً عصياً على التفكيك والقراءة...بحيث التبَسَت على رجل بخبرة ودراية حسين مجلي...الذي ظنّ وأساء الظن...اجتهد واخطأ الاجتهاد...سعى وطاش مسعاه...مع أن أي سياسي مبتدئ، أو أي قارئ في الصفوف الأولى لعلمي السياسة والحقوق، كان يدرك تمام الإدراك، أن هذه الحكومة ليست حكومة «اختراقات كبرى» أو تغيير...وأنها ،تشكيلاً ورئيساً وسياقاً عاماً، لن تخرج عن كونها حكومة «تصريف أعمال».

من يقرأ خطاب الاستقالة، وتحديداً تلك الفقرات المتصلة بالسياسة الخارجية والموقف من «العدو الرئيس للأمة»، يظن أن السياسي المخضرم، لم يصله بعد، نبأ تخلي حكوماتنا المتعاقبة عن ولايتها العامة...ومن ضمن ذلك تخليها عن مسؤوليتها عن صنع السياسة الخارجية...ويظن كذلك، أن الوزير المستقيل لم يعرف بعد، بأن ملفات بحجم العلاقة مع الولايات المتحدة والموقف من إسرائيل، ليست متروكة للحكومة أو الخارجية، وأن التعديل أو التغيير في المواقف حيال هذه المسائل، بحاجة لما هو أكبر وأبعد، من انضمام وزير أو استقالة «صاحب معالي».

إن كان الوزير المستقيل، قد تفاجأ فعلاً بكل هذا الذي ورد في كتاب الاستقالة، فتلك مصيبة...أما إن كان يريدنا أن نصدق ما أورده من مبررات الاستقالة، فإن المصيبة أعظم...في الحالة الأول، رأينا مدى استخفاف أصحاب المواقف بمواقفهم، ومدى استهتارهم بمواقعهم في صفوف المعارضة والحكومة على حد سواء...وفي الحالة الثانية سنرى مدى استهانتهم بذكاء الأردنيين والأردنيات واحتقارهم لعقولهم وقدارتهم على الفرز بين غثّ المواقف وسمينها.

أخشى أن كتاب الاستقالة الذي أُريدَ له أن يكون مدوياً، فجرى توزيعه على الصحافة قبل أن يجف حبره، لا يساوي هذا الحبر الذي كتب فيه، أو الجهد الذي صرف عليه...فمن دخل الحكومة، هذه أو غيرها، هذا الوزير او غيره، كان يعرف مسبقاً طبيعة المواقف وحدود السياسات التي يمكن أن تنتهي لها...كان يعرف قواعد اللعبة في البلاد وآليات صنع القرار وصياغة السياسة...كان يعرف موقع الأردن و علاقاته الإقليمية والدولية...كان يعرف تمام المعرفة، طبيعة الأشخاص واللاعبين في الحكومة و»أكنافها»...ومع ذلك فقد اتخذ قراره طائعاً لا مرغماً، وعن سبق الرغبة والشهية، ودونما إكراه...ومن السخف الظن بأنه كان يعرف كل ذلك، وأنه كان مطمئناً لقدراته الخارقة على تغيير قواعد اللعبة و»تثوير» السياسات، وإعادة بناء البلاد على أسس جديدة، لمجرد أنه قبل التعيين ؟!

من حق أي شخص، أن يقرر موقعه وموقفه، هذا شأنه الخاص، هذا قراره الذاتي المحض...أما أن يقال لنا بعد «أن استنفد قرار الاستيزار أغراضه»، بأنني استقيل لعجزي عن وضع الأردن على سكة المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة، أو لعدم نجاحي في استعادة الحكومة لولايتها الدستورية، وإخفاقي في بناء الأردن على أسس جديدة...فليسمح لنا «معاليه» فنحن لم نكن ننتتظر منه، ولا أظن أنه هو شخصياً كان يطمح حقاً لتحقيق هذه الأهداف العراض، لمجرد التحاقه بركب الحكومة.

والحقيقة أن تجربة توزير شخصيات من المعارضات، تثير غالباً أسئلة وتساؤلات، وتخلق تناقضات وإشكاليات، غالباً ما تكفي للاطاحة بصدقية أصحابها...بعض هذه الشخصيات انتقل من الموقع «الديمقراطي» إلى المواقع «العرفية» الأشد تطرفاً...بعضها انتقل من «القومية الواسعة» إلى «الإقليمية الضيقة»...وبعضها من «اليسار» إلى التسبيح بحمد «العشائرية الجيدة» في مواجهة «العشائرية المتزمتة»...إلى غير ما هنالك من تحولات وانهيارات، لا احسب أن استقالة مجلي تخرج كثيراً عن سياقاتها.

من يقرأ كتاب الاستقالة، الذي لم يؤت فيه على ذكر القضية التي قيل إنها السبب وراء إقالة أو استقالة الوزير، يتملّكه إحساس، بأن الرجل يريد «التطهر» من أوزار حتى لا نقول «رجس» حقبة، قبل ولوج عتبات حقبة أخرى، أو أنه يريد أن يمحو «مرحلة الحكومة» من سجله، أو على الأقل، جعلِها «فاصلا دعائيا قصيرا» بين مرحلتين في المعارضة، ولكن هيهات أن تعود عقارب الساعة للوراء...هيهات أن يتمكن المرء من الجلوس بارتياح على مقعدين.