أبناء الخلافة بلا جنسية !!.
أمس قرأت خبرا عن وكالة أنباء «رويترز»، تقدم فيه قصة إخبارية عن أبناء دولة الخلافة، هؤلاء الذين ولدوا لمواطنين عراقيين وسوريين وغيرهم، عاشوا في المناطق التي تسيطر عليها عصابة داعش، التي تصدر أوراقا ثبوتية للناس هناك، لكنها تحمل شعار وختم دولة الخلافة المزعومة، وهي اليوم تشهد غروبا حتميا، بينما يترك هؤلاء لمواجهة مصيرهم والتعقيدات القانونية المفزعة..
هؤلاء المواليد الجدد يبلغون الآن عشرات الآلاف في الدولتين العربيتين، فهم يشكلون مجموع مواليد 4 إلى 5 أعوام، وهي المدة التي تخلت فيها الدولتان العراقية والسورية عن رعاية مواطنيها في تلك المناطق، ثم سيطرت عليها عصابات الارهاب، وشرعنت قوانينها، وتخلت بل شطبت عن عمد،كل ما يربط الناس بدولتهم الأم..
يتساءل الناس عن مصير أبنائهم، بعد أن استطاعوا أن يفلتوا من براثن داعش في الموصل وغيرها، ويؤكد بعضهم بأنهم لم يقوموا باستصدار أي وثائق تحمل اسم دولة الخلافة، وأنهم اعتقدوا بأنهم يحمون أنفسهم وأطفالهم بهذا التصرف، لكنهم يتساءلون عن مصير هؤلاء الأطفال الذين لا يحمل بعضهم حتى وثائق ولادة، علما أن أعمار بعضهم تجاوزت 3 أعوام..
يعرض أحدهم وثيقة ميلاد عبر «رويترز» تشبه الوثيقة العراقية للمواليد الجدد، ويقول بشأنها: إنني أقنعت أحد الأطباء كي يكتبها لمولودي الجديد، فوافق الطبيب وحذرني: اياك أن يعرفوا بالأمر، فسوف يقتلوك ويقتلونني، وبعد أن أمن على نفسه يعرضها متسائلا عن مستقبل أبنائه، مع عدم وجود أية وثائق رسمية تثبت جنسيتهم..
هذه فئة جديدة من العرب المقهورين، الذين ستتعاظم مشكلتهم فيصبحوا من «البدون»، الذين لا يتمتعون بأي حقوق، ويعيشون مأساة إنسانية – عربية في دولهم، وسوف يزداد الأمر صعوبة على هؤلاء الناس، مع وجود نوايا التهميش والاقصاء والتطهير العرقي في العراق وغيرها، الأمر الذي سيعطي وقودا جديدا للتطرف وغياب العدالة، فالمواطن العربي المسالم المغلوب على أمره، حين يكون في مناطق نزاع أو في مناطق تفقد الأمن والسيطرة الحكومية، يتعرض للضياع مع تقادم السنين، فيصبح على هامش القانون والعدالة والمسؤولية.. وبهذا تتم صناعة أزمات جديدة مرشحة للتفاقم بالتقادم.
المواطن العربي؛ وحين تقع المصائب والحروب في المنطقة التي يعيش فيها، ماذا تراه يستطيع أن يفعل: هل يهرب ويصبح لاجئا ويبدأ رحلة فقدان للكرامة والحقوق؟ أم تراه يبقى ويذعن للجهة المسيطرة فيصبح خارجا عن مبادىء وقوانين دولته الأم؟ أم ينخرط فعلا في النظام المسيطر الجديد؟ ماذا سيكون مصيره بعد أن تقوم الدولة الأم بتحرير تلك المنطقة؟ وهل الذي يجري الآن في تلك المناطق يراعي شؤون هؤلاء الناس !!.
تخيلوا أن يكون المواطن العربي آمنا في بيته وسربه، ولا ينخرط بأي نوع من الصراعات، وبعد عامين أو ثلاثة تبدأ حربه الخاصة في إثبات أصله وهويته وحقوقه في الحياة، هذه حقيقة موجعة تخرج الناس عن طورهم وقناعاتهم حين تدب النزاعات والخصومات والحروب وتفقد الدول أمنها وهيبتها وسيطرتها على أراضيها..
أنا أقترح تأهيل الصحارى العربية، لتصبح «دولة» خارج التصنيفات، وجاهزة لاستقبال موجات من أجيال «البدون».. فهم كالصحراء،أعني «بدون ماء ولا حياة»، هؤلاء أخفقوا في لعبة الحياة العربية فخرجوا من تصنيف البشر بلا ذنب أو جريمة أو خطأ ارتكبوه، سوى «سلميتهم»..
للسلمية ضريبة كبيرة، يدفعها البشر في عالم فقد العدالة والقانون والأخلاق.