بلفور يعود عام (2017)



تكشف الوثائق البريطانية المعلنة حديثاً عن سيناريو إخراج (وعد بلفور) قبل إقراره رسمياً، فقد اجتمع مجلس وزراء الحرب المكوّن من خمسة أشخاص، وهم: (لويد جورج، وبلفور، واللورد كرزون، واللورد ميلزر والسير مارك سايكس)، وذلك في الحادي والثلاثين من أكتوبر 1917 (31/10/1917)… فاللورد كرزون يستغرب ما مصير الشعب الذي لن يستسلم أو يسلم البلد للمهاجرين اليهود… ويتغلب الثلاثي (لويد جورج-ميلزر، ويلفور)… ويخرج (السير سايكس) حيث كان (حاييم وايزمن) ينتظر في الغرفة المجاورة، مخاطباً إياه بقوله (أنه صبي) –It is a boy- وهو التعبير الشائع عربياً أيضا (صبي أو بنت)….

لقد أثار القرار أو (الوعد المشؤوم) قلق المفكرين، فالمؤرخ البريطاني (ارنولد توينبي) رأى فيه تعبيراً عن الروح الاستعمارية لاستمرار الهيمنة البريطانية شرق المتوسط من خلال وكلائها… اليهود، واستطرد قائلا: أن بلفور كان شريراً ماكراً (Wicked) باستخدام عصبة الأمم لتكريس (سلطة الانتداب) ليسرق حق الفلسطينيين في تقرير المصير! إما (السير جون تشانسلور) فقد اعتبر (الوعد) كارثة للفلسطينيين، وأنتج صراعا من أشدّ الصراعات التي عرفتها البشرية مرارة وقساوة، كما أحدث ضرراً لبريطانيا نفسها حيث كان الاسفين لعداوة العرب لها على مرّ التاريخ والمستقبل، وأما المؤرخ الإسرائيلي، آفي شلايم، أحد المؤرخين الجدد، فاعتبر أن (الوعد) كان غير شرعي ( Illegal) ولكنه أصبح قانونيــــــــاً ( Lawfull) بعد اعتماده من منظمة الأمم المتحدة أساساً لتقسيم فلسطين ويزعم أيضاً أن العرب لم يقرأوا (وعد بلفور) جيداً وبمنهجية تحليلية موضوعية!
أن أهم ما يلفت الانتباه، ويستدعي الاهتمام أيضاً، أن الترتيبات تجري حالياً للاحتفال بمرور ماية عام على إصدار ذلك (الوعد المشؤوم) أي عام (2017)، وذلك في (مجلس العموم البريطاني) وليس من المعروف مسبقاً، هل سيكون ذلك الاحتفال تكريساً (للوعد) باعتباره يعبر عن الروح البريطانية الاستعمارية، سواء الكامنة في التاريخ النفسي أو المتأصلة في العقل البريطاني تاريخياً، أم سيكون وقفة لمراجعة نفسية وعقلية ذاتية للتعبير عن ادارك حجم المأساة التي أوجدتها تلك الكلمات البالغة سبعة وستين كلمة، فتجرد السكان الفلسطينيين من هويتهم (الفلسطينية العربية، وتعطي (الحق بالباطل) لأي يهودي في العالم، ولد أو سيولد، لاستيطان فلسطين…
وما يهمنا في الأمر… أن تقوم المجالس النيابية العربية (البرلمانية) بالإعداد لاحتفال نظير موحد ليس للرد على ذلك الاحتفال البريطاني المزمع إقامته، ولكن للمبادرة، بتخطيط علمي، وبادراك واع، لاستثمار ذلك (الوعد الخاطئ) لصالح القضية الفلسطينية والحق العربي، فلا يكون الاحتفال البرلماني العربي، إنْ رأى النور، رد فِعلٍ عاطفي. كما يمكن دعوة البرلمانات الحرة في العالم للمشاركة ليكون التعبير عالمياً يمثل الشعوب لاعتبار (الوعد) جريمة دولة ضد حق شعب في وطنه.
وأخيراً، أنها دعوة موجهة للأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ولرابطة التعاون الإسلامي (جدة) لتأخذ زمام المبادرة والبدء بالتخطيط لذلك، بتعاون بينهما، فالهدف مشترك، والاهتمام مشترك… وفي تقديري أن (البرلمان الأردني) وبالتعاون مع (المجلس التشريعي الفلسطيني) يمكنهما اتخاذ الخطوة الأولى… وفي وقت مبكر.