الفزعة يا النشامى مخدرات..مخدرات


مريض مبتلى؛ متطرف في الحس والحكم، ارتكب جريمة بشعة، وبسبب انخراطنا في لعبة الافلاس الفكري والثقافي والاعلامي، «نزلنا بالجوكر»، وفي كل «خزق ثقافي» أصبح الحديث عن الجوكر، الذي وصلت الفزعة ضده حد «المصاص» الذي يباع في الدكاكين، ورأينا صور ونصائح وفضائح، كلها تنم عن سطحية من تناقلوها، فأكثرها غير صحيح وغير منطقي، ولا يجوز التوقف عنده من قبل أي شخص موضوعي أو متوازن..
لم يتوقف الأمر عند المواطنين البسطاء، ولا عند المتضخمين الذين يتأفف منهم الفيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبح الابتذال يطغى عليها، بل تجاوزه إلى وسائل إعلام، ركبت الموجة وحالها يقول»اذا انجنوا ربعك عقلك ما ينفعك»، فانهمرت الأخبار والتصريحات والتقارير، والدراسات والأرقام،والمناسبة جريمة بشعة «فالجوكر ما غيره؛ قتل والدته وفصل الجثة عن الرأس» !.
أي شخص غير أردني؛ سواء أكان موجودا داخل الأردن ولا يعرفها، او خارجها ولم يسبق له زيارتها، من الطبيعي أن يعتقد بأن المملكة محض «غرزة»، وبؤرة مخدرات، ولدى الناس فيه «ثقافة جزلة»، فهم يعرفون الأنواع والأسعار والتجار والمصادر وطرق التحضير والتسويق والإغواء والإغراء..الخ مرادفات الحديث الدخيل، حتى حين تحاوره رفضا لتلك الفكرة المسيئة للأردن وناسه، يقول لك: لا تحاول تغطية الشمس بغربال، البلد غرقانة بالمخدرات، وهي استثمارات لمتنفذين قبل التجار، وهذه دراسات وأرقام صادرة عن مرجعيات أردنية رسمية يا حبيبي، تفيد بأن 21% من الناس لديهم علاقة بالمخدرات، يتعاطونها، وآخرون يتاجرون بها .. فتشعر بالخيبة من هذا الجوع الكلامي الذي هذه نتائجه!.. هل اعتبرتم الأغبياء والمصبين بلوثة النجومية الاعلامية والفكرية والفلسفية أيضا ضمن المتعاطين؟ هذا يبرر رقمكم.
الدراسات الموجهة بغباء او بدهاء تكون عواقبها وخيمة على المجتمع، حين نريد ان نحذر بأغلظ الكلام من آفة كالمخدرات، لكننا لا نلتفت إلى أن حديثنا المبالغ فيه سينعكس على بلدنا، وعلى أداء ومعنوية جنوده الذين يسهرون على أمنه وحمايته، فتغدو المحاولة الوقائية المستهدفة من مثل هكذا دراسات، هي محض خداع للوعي وللرأي العام، فتنقلب علينا، وهنا ألفت عنايتكم إلى تلك الاستطلاعات والدراسات «الموجهة» التي رافقت الانتخابات الأمريكية، فكلها تقريبا كانت تتفق على هدف واحد، وتجافي الحقيقة، «ليأكل الخازوق العالم كله»، فالناس غير مختصين ولا يكترثون للبحث او حتى لتوخي الحذر، حين يتناقلون أحاديث غير منطقية ولا صحيحة،وتنطوي على إساءات لهم ولبلدانهم ومجتمعاتهم النظيفة.. يغيب العقل والمنطق لدى الانسان حين يستسلم ا لبعض الاعلام و»تنابله».
الجهة الوحيدة المخولة بإعطاء معلومة دقيقة وصحيحة عن المخدرات، هي مديرية مكافحتها في الأمن العام، فالمعلومة هناك، والمتعاطون والتجار والمروجون..أغلبهم في السجون، أو هم معروفون مرصودون، حتى جيوبهم وقلوبهم وأفكارهم الشيطانية، كل هؤلاء وكل ما تعلق بهم موجود لدى تلك المديرية، التي قدمت وما زالت تقدم جهودا جبارة وشهداء لحماية الوطن وجواره من هذا الخطر، ولا أجد شخصا واحدا، يريد أن يكون موضوعيا ويتناول هذا الموضوع ويذكر أرقاما ووقائع دون اللجوء إلى مصدر المعلومة.. فالذي أجرى تلك الدراسة أجزم بأنه لم يتفاعل مع البيانات التي بحوزة مديرية مكافحة المخدرات، او يعتمد عليها في استنتاجاته ودراساته وعيناته وأرقامه..
الأردن أكثر نظافة من أن يكون مستقرا لهذه السموم، حتى وإن تصاعد وقع دبيب الخطى حول حدوده لتهريبها وتسريبها إلى الجوار أو منه، فرفقا بعقول الناس وبسمعة البلد وبجهود الجنود وأرواحهم التي بذلوها لحمايتنا وحماية جوارنا..وتوقفوا عن طلب النجومية المقرفة، فالفراش ينحو للضوء اعتقادا بأنه بوابة الفضاء والفرج، وأنتم أقل خفة وغباء من فراش ظن النار بابا لحرية لا يعلم أصلا لماذا يبحث عنها وهل هو بحاجتها.
استفتوا ضميركم إن كنتم لا تملكون معلومة صحيحة، وترفقوا بالعقل والمنطق والناس وبلدكم.. واحرقوا ورقة «الجوكر»، فهي لا تنفع في لعبة الافلاس الثقافي وهبوط الوعي وانعدام الوزن والثقة.
ibqaisi@gmail.com