الوجه الحقيقي لامريكا

بعد أن هدأت الاقلام، وتوقف الزوابع التي اثيرت حول انتخاب ترامب رئيسا لامريكا، رأينا وقد هدأت النفوس، وبرد الصفيح الساخن ان نناقش الموضوع بمنتهى الموضوعية، خاصة وانه يؤكد على حقيقة يعرفها الجميع، او بالاحرى يعرفها كثيرون، وهي ان هذا الرجل هو الوجه الحقيقي لامريكا.

"ترامب” هو اليانكي.. وهو البلطجي .. وهو الكابوي الذي صنع تاريخ امريكا واصبح مثالها في الفروسية والشجاعة " افلام الغرب الامريكي”.

امريكا في نشأتها وتطورها لم تكن ذاك الحمل الوديع، بل هي الذئب الاغبر كما يقول "ارمسترونغ” الذي استولى على القطيع وافترسه، فلقد استولى المهاجرون الاوائل "الانجلو سكسون” على امريكا عنوة، بعد ان قتلوا اغلبية الهنود الحمر "اكثر من ثلاثين مليونا” .. وحشروا البقية في بقعة مسيجة، كما تحشر الوحوش في السيرك، ليشاهدها الزائرون.

ايمان امريكا بالقوة .. وبالقوة فقط، ورفضها الاخر، كما يمثلها ترامب هذا، بدأ من لحظة ابادة الهنود الحمر، واستمر حتى الان .. بل اصبح ايدولوجيا تتحكم في سلوك هذه الامبراطورية، وبالاحرى في سلوك قادتها، وبالاخص من المحافظين الجدد، الذين سخروا القوة لتحديد اهدافهم "القوة الاستباقية”، ومن يدرس مشاركة امريكا في الحربين الكونيتين: الاولى والثانية، يجد ان امريكا شاركت في هذين الحربين ليس حبا باوروبا والحفاظ على الحضارة الاوروبية وحسب، بل لترث الامبراطوريات الاوروبية التي هرمت هذا اولا، وثانيا: لتحد من النفوذ النازي والفاشي الصاعد قبل ان يتجذر في اوروبا ويهدد مصالحها الاستراتيجية، ولتضرب قوة اليابان الصاعقة قبل ان تستكمل قوتها وهذا ما كان.

لقد شاركت امريكا في الحربين الاولى والثانية بعد ان تعبت القوات المتحاربة، واصبح النصر بانتظار الكابوي القادم عبر الاطلسي والهادي، وامعانا في تحقيق اهدافها الامبراطوية قامت بضرب "هيروشيما وناغازاكي” بالقنابل الذرية، علما ان اليابان كانت على وشك الاستسلام قبل ضربها بالاسلحة الذرية، ولكن سياسة الردع والتخويف الامريكية اصبحت مكملة لنهج القوة.

وتجسيدا لمبدا القوة الفائضة، التي سيطرت على امريكا وزعمائها، قادت واشنطن الحرب على كوريا وعلى فيتنام، ولم تتراجع رغم هزيمتها الكبرى في فيتنام، والتي تركت في الحياة الامريكية عقدة اسمها عقدة فيتنام … "عقدة الهزيمة”.

وجاءت نظرية الصدمة والرعب بعد ذلك، وكانت هذه النظرية التي تبناها الرئيس "بوش الابن” ومن حوله من المحافظين الجدد وعلى رأسهم "رامسفيلد” و "تشيني” عنوان احتلال افغانستان والعراق، فقتل اكثر من مليون انسان في العراق، ومثله في افغانستان، تحت عنوان "مكافحة الارهاب”.

وحتى لا نغرق في التفاصيل، ولا في الدم .. ونحن نقلب صفحات التاريخ، فان خلق اسرائيل والاستمرار في دعمها كدولة احتلال، يجسد النهج الامريكي العدواني الاستعلائي، ومن هنا فان حب واشنطن لاسرائيل، ليس مصادفة، وليس منقطع الجذور، فهما متشابهتان في النشأة .. في احتلال اراضي الغير، وابادة السكان الاصليين، او بالاصح عدم قبول الاخر، وهذا هو سر كره الرئيس ترامب للمهاجرين، واصراراه على طرد "3 ملايين” مهاجر غير شرعي من امريكا، كما قال.

لا يمكننا المجال الاستمرار في الاطالة والتفصيل، ولكن نجد لزاما الاشارة الى ظاهرة اللصوص النبلاء الذين ساهموا في بناء الوجه المشرق لامريكا، وهو بناء الجامعات والمستشفيات والمكتبات، والتي اسهمت في النهضة الامريكية الكبرى، من امثال "روكفلر”.

ولا ننسى ظاهرة القرصان "مورجان” وهي التي تجسدها سياسة واشنطن اليوم، ومورجان هذا قرصان امريكي كبير اشتهر بالاستيلاء على سفن القراصنة الصغار مجتمعة، بعد وصولها الى الشواطيء الامريكية، وهذا ما تفعله اميريكا اليوم بالاستيلاء بالجملة على الدول مجتمعة.

باختصار..

ترامب ليس ظاهرة خارجة عن المدار الامريكي، بل هي من صلب وصنع الغرب الاميريكي .. القائم على القرصنة .. والبلطجة .. والكابوي… واليانكي..

ترامب وجه امريكا الحقيقي.