«الدلفري» والخادمات في مجتمعنا

 

حتى العام 1990 كان انتشار الخادمات في مجتمعنا قليل، كانت الخادمة ضرورة في حالة العجز، أو مقصورة على المترفين، وبالوقت نفسه انتشرت مطاعم الوجبات السريعة، إذ بدأت انطلاقة احد أشهرها في شارع عبد الله غوشه، ثم تكاثرت بوصفتها الأمريكية، والهندية ولاحقا الفرنسية والبرازيلية، واصبح تنمو بازدياد، واليوم تتصدر ثقافة الطعام اليمني الانتشار، وتنمو بكثرة وتغزو المدن في الأطراف، وأيضا بدأت المطاعم العتيقة المعروفة في المدن إما تموت لأنها لا تواكب ولا تنافس، أو لأنها فشلت في الصمود ومواجهة سياسات العروض، وبالجملة تحولت عمان لمطعم كبير، وفي اربد وعمان والزرقاء نشهد ارتفاع في تراخيص المطاعم ذات الوصفة الشامية وفي بقية المدن، وهذا أمر طبيعي بفعل عمال اللجوء السوري.

زمان كانت المطاعم والأكل بها أو عزيمة الناس عليها شيء من العيب، وكان يقال إذا ما عزم أحد ضيفا على مطعم يقال: هذا طبعه طبع شوام، وكان الأكل في المطاعم مرهون بالرحلات أو زيارة المدن، أما اليوم فصار من الطبيعي ان توصي على اكل من المطعم للضيوف، وبخاصة في حالة الولائم، وقد يكون هذا أمر مبرر خاصة لمن يسكنون العاصمة، لكن غير المعقول هو تراجع عملية الإطعام وتراجع المرأة عن دورها في الطبيخ، لصالح سلطة «الدلفري» و»التواصي» ونشأت مطابخ خاصة تديرها سيدات في المدن، يقمن بإعداد كل شيء لسيدة البيت، التي تكتفي بالانتصار بالصور وعرضها على الفيسبوك.

زمان كانت الوليمة للعريس أو للمتوفى، تتم إدارتها أهلياً،فيوزع طبخ الرز على البيوت، وتقترض الصدور وتُعلّم كل أسرة صدروها بعلامة فارقة، وغالباً ما كان «المناكير» سيد العلامات، وأما طبخ اللحم فهو مقصور على الرجال، ويجمع الرز بعد طبخه وتصدرُ المناسف في العرس بشكل احتفالي، وحتى هذا الزمان لم يكن يسجل فيه دخول للمطاعم والخيم أيضا ولا التمر المرشوش على وجهه الهيل، ومع ذلك كانت الحياة والتكافل أفضل وأجمل.

زمان كانت الأم سيدة توجه بناتها وزوجات أبنائها للمساعدة والمساهمة في الطبيخ والجلي، وأما اليوم غالباً ما يأتون كضيوف جميعا، فثمة من يخدم ويقوم بذلك، وهي الخادمة، والتي برغم كلفتها وما يترتب عليها من إنفاق إلا ان المجتمع ماضٍ باستقطابهن. ويمكن تحديد العام 1990 لحظة تاريخية لزيادة عددهن بسبب عودة الكثير من الأسر من الكويت والتي اعتادت على ثقافة الخدم، وفي تلك الفترة حدث تحول آخر في دخول نخبة جديدة للاقتصاد والسوق في المدارس الخاصة وساهمت في تأسيس الجامعات الخاصة لاحقاً، وهذا أمر يجب دراسة أثره.