«المسيحيون العرب ليسوا أغراباً»

 

« تبلورت فكرة القومية العربية أول ما تبلورت على ايدي مسيحيين من العرب»

(«الحسن بن طلال» الأعمال الفكرية، المجلد الأول ص 578)

هذا ما يقوله سمو الأمير الحسن بن طلال «إن المسيحيين العرب ليسوا اغراباً بأي شكل عن المجتمع الاسلامي، وهو المجتمع الذي اشتركوا في تاريخه وأسهموا في حضارته ومدنيته مادياً ومعنوياً منذ اربعة عشر قرناً « (الحسن بن طلال: الاعمال الفكرية، ص 583).

منذ هذه القرون المذكورة والمسيحيون يرفدون الحضارة العربية بعطاء ثرٍّ لا ينكره احد. وللأمانة التاريخية يجب ان يقال انهم في العصر الحديث في البداية على الأقل: «تقدموا على معاصريهم المسلمين في قبول الافكار والعلوم والنظم الاجتماعية الحديثة القادمة من العالم الغربي بسبب مشاطرتهم هذا العالم صفته المسيحية، ولو رمزياً، في حين تردد المسلمون في الاقتباس عن الغرب حتى تبين لهم ان من هذا الاقتباس ما هو ضروري ولا بُدّ منه». (الحسن بن طلال، المرجع السابق ص 581)

وهذا معناه انهم شركاء فاعلون في قومية عربية واحدة. ليسوا غرباء عن هذه القومية، فمنجزاتهم الفكرية وابداعاتهم تتحدث عن مشاعر قومية صادقة أهّلت الكثيرين من مفكريهم وسياسيهم ان يكونوا من خيرة المدافعين عن القضايا العربية القومية وبالذات القضية الفلسطينية.

وفي حديثه عن المخاوف التي تساور بعض المسيحيين مما قد يخبئه المستقبل للمسيحية العربية يضيف الحسن بن طلال قائلاً: «ان المسيحيين العرب بما عرف عنهم عبر تاريخهم من صبر ومرونة وقدرة قلّ مثيلها في تحسس مشاعر الآخرين، وبما لهم من قيادة فكرية خلاقة قلما افتقدوا وجودها لن يكونوا الخاسرين اذا هم صبروا على سلبيات ما يجري في العالم العربي اليوم». ص 583

الحسن بن طلال هنا يشير الى مخاوف المسيحيين العرب مما يسمى «الأصولية الاسلامية» التي اجتاحت موجاتها عدداً من الدول العربية. وهذا واقع لا ينكره عاقل هذه الايام، ولكن علينا كأصحاب قومية عربية واحدة شارك في الدفاع عنها المسلمون والمسيحيون منذ اقدم العصور ان نطرد هذه المخاوف. وهنا لا بد من خلق اجواء المحبة والوئام بين المسلمين والمسيحيين ورفض «الاصولية الاسلامية» التي تسيء الى اللُحمة الاسلامية/المسيحية.

وأصاب سمو الامير حين ذكر أن المسيحيين العرب بقدرتهم على التعامل الفكري مع العالم الحديث كانوا «افضل من يقدم المواقف العربية على المسرح الدولي في جميع المجالات» المرجع السابق ص 582.

وكدليل على دفاع المسيحيين العرب عن القضايا العربية كما يشير الأمير الحسن بن طلال، أعرض لموقف رائع وقفه المسيحيون العرب لدى الغزو الصليبي لبلاد المسلمين حين استعان بهم صلاح الدين الايوبي في مجابهة المد الصليبي الزاعم انه جاء «لانقاذ الاماكن المقدسة».

وهنا اقتبس ما ذكره الباحث والمفكر العربي د. إميل توما في كتابه الشهير «الحركات الاجتماعية في الاسلام» الصادر عام 1981 عن دار الفارابي ببيروت. يقول إميل توما في كتابه ص 172: «ولعله لم يكن من قبيل الصدفة ابداً ان صلاح الدين في مجابهته للصليبيين وجد في المسيحيين العرب انصاراً ومريدين كفروا بالمزاعم الصليبية حول «انقاذ الاماكن المقدسة من ايدي الكفرة»! ونفروا من «الاخوة الدينية» التي لم تكن، بل كان مكانها استعلاء قومي ونظرة ازدراء نظر بها الغزاة الاوروبيون نحو ابناء البلاد الاصليين». ألا يدل هذا على ان المسيحيين العرب كانوا معاضدين للقضايا القومية. لا تنطلي عليهم المزاعم الاستعمارية الاوروبية التي حاولت استغلالهم دينياً ففشلت لأن هؤلاء المسيحيين العرب أدركوا المطامع التي تقف وراء هذا الغزو المتستر بالدين!

يبقى ان اقول ان الامبريالية العالمية اليوم تحاول بثّ الفتنة بين المسلمين والمسيحيين العرب مستغلة الناحية الدينية. لكن الغالبية من المسيحيين لم تنطل عليهم هذه المزاعم، القليليون منهم انساقوا وراءها، بينما بقيت الاكثرية حامية لذمار الاوطان يداً بيد مع اخوانهم المسلمين.

وهنا اشير الى فلسطين ايام الانتداب البريطاني فقد «اتخذ النشاط القومي شكل تعاون بين الجمعيات الاسلامية والمسيحية». لم يستطع المستعمرون ان يدقوا شرخاً بين المسلمين الفلسطينيين واخوانهم المسيحيين. فالنضال من اجل فلسطين على شتى المستويات ساهم فيه الجميع.

اختم بالقول: إن المسلمين والمسيحيين في البلدان العربية كشقي المقص –اذا جاز التعبير- يعتزون بعروبتهم ايما اعتزاز.