نحو سلطة رابعة : مجلس رقابي أعلى لمحاسبة المفسدين
نحو سلطة رابعة: مجلس رقابي أعـــلى لمحاسبة المفسدين
في بداية الحديث أود القول أن تقسيم السلطات فـــي أي دولة على نحو ثلاث سلطات لم يكن وحياً من السماء يوحى به للمفكرين والقادة، ولم يخطر ببال أحد عنـــدما وُضِعت تلك التقسيمات أنه سيعاني يوماً من حمى الفساد ؛ لأن المفكرين في تقسيمهم الثلاثي كانوا يعايشون مرحلة البداية الحقيقة لمفهوم الدولة المعاصرة التي اتسمت بقلة المؤسسات والمسميات والمهام المناطة بها ؛ ولذا كانت الرقابة عليها بسيطة ولا تحتاج لكوادر مؤهلة.
ولكن بعد أن تطورت الدول ؛ رافق ذلك تطورٌ كبيرٌ في الجانب الإداري ؛ حيث تم استحداث وزارات و مؤسسات جديدة وزادت المهام الملقاة عليها بشكل عام، وبازدياد هذه المؤسسات أصبح الفساد والإفساد منتشراً في كافة مؤســسات الدول وسلطاتها التشريعية والقضائية والتنفيذية، حيث ظهرت معــالم جديدة للفساد: كالبطالة المقنعة، والشللية والمحسوبية المبطنة ، وهدر المال العام بطرق قانونية محبوكة .
وجاء الحل المنطقي بإنشاء هيئات ومؤسسات رقابية هدفها مراقبة الأداء الحكومي ومكافحة الفساد الذي لم يعد مختصاً بدولة دون أخرى - مع اختلاف نــسب الفساد فيها- أو بسلطة دون سلطة.
وأما في الأردن فالمؤسسات الرقابية تـــابعة إداريـــاً للسلـــطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائــية، وبالتالي فإنها لم تعط الصلاحيات المطلقة لمحاربة الفساد أو مراقبة القطاع الحكومي؛ لأنها بالنهاية متعددة المرجعيات وستخضع لتوجيهات المتنفذين في السلطات الثلاث ، وهنا نجد ازدواجية في المعايير، فكيف يكون الرقيب على الفساد يتبع إدارياً للمُشرع أو القاضي أو المنفــــذ؟ أو كيف يكون المفسد رقيباً في وقت واحد ؟ وهنا تأتي المحسوبية والشللية لتصبح الجدار الواقي والمرتع الخصب لتنمية الفساد والحفاظ عليه، ولا يجد المصلح في بيئة الفساد ملاذاً للإصلاح وكشف المستور .
وبعد هذه المقدمة الطلــلية المطولة كان لابد من آلية فاعلة لمحاربة الفساد وتجفيف منابعه، و هنا لا نجد بديلاً عن الحل المناســب الذي يكون من خلال إنشاء سلطة رابعة توازي السلطات الثلاث ولا تقل في رتبتها وأهميتها عن أيـــة سلطة؛ أي بمعنى آخر يجب العمل على توحيد مؤسسات الدولة الرقابية، بحيث يتم دمج جميع الدوائر والإدارات المسؤولة عن الرقابة ، لتشكل في النهاية هذه السلطة الرابعة التي تتكون من أربعة دواوين أو هيئات :
· أولـــــــها: ديوان أو هيئة المحاسبة المالية وتراقب أداء السلطات الثلاث مالياً وتحاول ضبط نفقاتها.
· و ثانيــها: ديوان أو هيئة الرقابة الإدارية لتحل مكان مديريات الرقابة والتفتيش الإداري في مختلف الوزارات وهدفها مراقبة الأداء الوظيفي لمنتسبي القطاع الحكومي وتحاول الكشف عن مواطن المحسوبية والشلـــلية والترهل الإداري، ومحاولة رفع مستوى الخدمات الإدارية المقدمة للمواطنين .
· و ثالثـــها: ديوان أو هيئة المظالم ووظيفتها استقبال المظالم المختلفة التي وقعت على مواطني المملكة الأردنية الهاشمية سواء كانت إدارية أم اقتصادية أم سياسية ومتابعتهـــا وتحويلها للسلطة القضائية أو التنفيذية.
· و رابعــها: ديوان أو هيئة حقوق الإنسان ويحل محل المركز الوطني لحقوق الإنسان في المسمى والواجبات.
وتتمتع هذه السلطة بامتيازات شقيقاتها ؛ ابتداء من تعيين رئيس لها مباشرة من قِبل جلالة الملك وهو مرجعيته العليا ، ويفضل أن يكون أحد رؤساء الحكومات أو الــوزراء السابقــين ويتمتع بخبرة كافية في المجال الرقابي ، وانتهاءً بموازنتها المستقلة وطريقة مراقبتها ذات الشكل المؤسسي على أداء السلطات الثلاث الأخرى مالياً وإدارياً وقانونياً؛ حيث تعطى هذه السلطة صلاحيات مطلقة في التحقيق والادعاء العام وتحويل القضايا التي طالها شبه ظلم أو فساد للقضاء، ويرفع رئيس السلطة الرقابية تقريره السنوي للملك عن إنجازات سلطته الرقابية بشكل متكامل ووجهة نظره بأداء المؤسسات الحكومية بشكل شامل .