مقترح لتحسين أرباح البنوك

اخبار البلد-




اصدرت البنوك نتائجها المالية للتسعة أشهر الأولى من العام 2016. النتائج جاءت متواضعة لكنها منسجمة مع التوقعات. غالبية البنوك سجلت تراجعا في أرباحها بالقياس مع الفترة ذاتها من العام المنصرم.
اسباب التراجع متعددة ابرزها: ارتفاع ضريبة الدخل على البنوك بموجب قانون ضريبة الدخل للعام 2014، تراجع أسعار الفائدة بالاخص على سندات واذونات الخزينة، تراجع إيرادات العمولات من جراء تباطؤ النشاط الاقتصادي، واخيراً، ارتفاع المخصصات بانواعها المختلفة.
المشكلة أن التراجع مرشح إلى الاستمرار إذ ليس هنالك في الافق ما يؤشر إلى زوال اسبابه، بل ان بعض الاسباب مرشحة للتفاقم. فاذا استمر المشهد الاقتصادي على ما هو عليه اليوم فاننا سوف نرى حتما ارتفاعا في القروض غير العاملة ومخصصات تدني التسهيلات الائتمانية، ومن غير المستبعد ايضا ان تتعرض إيرادات الرسوم والعمولات إلى المزيد من التراجع. ويكفي النظر إلى بيانات البنوك في دول الخليج لمعرفة درجة الارتباط بين النشاط الاقتصادي وتلك الإيرادات.
من هنا، يأتي المقترح بان يقوم البنك المركزي بمراجعة تعليمات الاحتياطي الإلزامي، ليس لتخفيضها ولكن للسماح للبنوك بالاحتفاظ بها او بجزء منها على شكل سندات خزينة. بذلك تتحول الاحتياطيات من اموال راكدة لا تحقق أي عائد للبنوك أو قيمة للاقتصاد، باستثناء انها تحمي عملاء البنوك واصحاب الودائع، الى أموال مدرة للدخل تستطيع البنوك اقراضها للحكومة.
نهاية الاسبوع الماضي، بلغ رصيد الاحتياطي الالزامي لدى البنك المركزي 1640 مليون دينار أردني. معنى ذلك انه لو سمح البنك المركزي للبنوك بالاحتفاظ بنصف هذا المبلغ فقط على شكل سندات للخزينة معدل العائد عليها 4 % فان أرباح البنوك، قبل الضريبة، سوف ترتفع بـ 33 مليون دينار. واذا اخذنا، على سبيل المثال، بنكا متوسط الحجم يحتفظ بـ60 مليون دينار كاحتياطي الزامي مقيد السحب، فان المقترح المطروح سوف يزيد أرباح هذا البنك قبل الضريبة بـ 1.2 مليون دينار.
ليس هذا فحسب بل ان المقترح المطروح سوف يوفر سيولة إضافية لاقراض الحكومة ويخفف من اثر الاقتراض الحكومي على السيولة المتاحة للقطاع الخاص، وهذا بدوره سوف يشجع البنوك على الاقراض وسوف يساهم في دفع العجلة الاقتصادية. ناهيك عن أن ارتفاع أرباح البنوك سوف يوفر للحكومة دخلا اضافيا عن طريق ضريبة الدخل يساوي، اذا سلمنا بالفرضيات المشار اليها،12 مليون دينار (35 % من الزيادة في أرباح البنوك قبل الضريبة).
قد يتبادر إلى ذهن البعض أن تحويل الاحتياطي، أو جزء منه، من نقد (كاش) إلى سندات خزينة اقل سيولة من النقد، سوف ينعكس سلبا على فعالية الاحتياطي الالزامي كاداة من ادوات السياسة النقدية، لكن حقيقة الأمر أن الاحتياطي الالزامي لم يعد مرغوبا كما كان سابقا كاداة للسياسة النقدية وأن ادوات السوق المفتوحة (Open Market Operations) والمتمثلة بشراء وبيع الاصول للتحكم بمستوى السيولة في القطاع المصرفي قد أغنت إلى حد كبير عن اداة الاحتياطي الالزامي.
دليلي على ذلك أن البنك المركزي لم يلجأ ابدا خلال السنوات الماضية إلى الاحتياطي الالزامي كاداة لضخ السيولة أو لجمها بالرغم من لجوئه إلى العديد من الادوات الاخرى. والمركزي الأردني لم يكن وحيدا في ذلك بل ان اغلب البنوك المركزية حول العالم لم تعد تولي اداة الاحتياطي الالزامي الاهتمام الذي كان لها سابقا لاسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا.
ايضا فان تحويل السندات إلى "كاش" ليس بالامر الصعب، حيث تستطيع البنوك تسييل هذه السندات عبر بيعها لبعضها البعض او من خلال ابرام اتفاقيات إعادة الشراء مع البنك المركزي أو حتى البنوك التجارية ذات السيولة المرتفعة.
ومن الجدير بالذكر أن فعالية الاحتياطي الالزامي كاداة لضبط مخاطر القطاع المصرفي قد انحسرت هي الاخرى، وان هنالك عددا كبيرا من الضوابط والمحددات مثل كفاية رأس المال ونسبة السيولة القانونية ونسبة القروض إلى الودائع وهي أكثر فعالية بكثير من الاحتياطي الالزامي في الحفاظ على سلامة القطاع ومتانته وقدرته على امتصاص الصدمات.
مما لا شك فيه أن القطاع المصرفي في الأردن متماسك جدا. فهو مرسمل بشكل جيد ويتمتع بسيولة لائقة وهو يخضع لرقابة حثيثة من قبل البنك المركزي. لكن ربحية القطاع قد تعرضت خلال السنتين الماضيتين إلى جملة من التحديات وهو اليوم يبذل جهدا كبيرا في سبيل استعادة الارباح التي خسرها خلال تلك الفترة.
يبقى التذكير بان ربحية البنوك تنعكس في نهاية المطاف على سلامتها، فأرباح البنوك تحسن رؤوس اموالها وتحديدا الشريحة الأولى (Tier 1) عبر بوابة الارباح المدورة، كما تزيد من قدرة البنوك على تغطية ديونها غير العاملة.