أسامة الراميني يكتب: عندما يصفق وزير العدل والباشا السعودي لنزيل سجن الجويدة

أخبار البلد-

لا يحصل ما حصل الا في الاردن فقط... الاردن وبالرغم من التناقضات أحيانا لكنه يحفل بالمفاجئات وربما هي قناعات بحاجة للبحث عنها في مكامن أنفسنا.. القصة التي سأرويها حدثت اليوم في مركز اصلاح جويدة وكنت شاهدا على ذلك بصفتي صحفي وليس نزيلا فالجويدة أبو اللون الأزرق محفور في ذاكرة الأردنيين بصفته سجناً للمواقيف وليس مركز اصلاح أو تأهيل فمن هناك يختصر المكان حكايته وترفع الدلالة شارتها فتفرح كثيرا بأنك تعيش خارج السجن وما اجمل ان ترى الجويدة "من فوق" أو من وراء الزجاج وبالاردني الفصيح ان تذهب للجويدة زائرا لا مقيما أو نزيلا او طريحا فالسجن سجن حتى لو كان قصرا فالحرية دوما أغلى من المكان فهي شعار عابر للحدود وقيمة تكسر القيود وهدف مرسوما على بقايا الحدود... أقول كنت اليوم في الجويدة مع النزلاء ومع مؤسسات المجتمع المدني التي ذهبت بجولة من ساحة المركز الوطني لحقوق الانسان بدعوى مع الباسل الشهم الطراونة أبو ابراهيم المنسق الحكومي لحقوق الانسان تجولنا في المهاجع وعيوني تتفحص المكان وقلبي يخشى المستقبل والحريات فيما عيون مؤسسات المجتمع المدني ترصد وتترصد تسمع وتستمع ورجال الأمن يرفعون الرأس بابتسامات تنم عن فرح وسعادة فاليوم كان انتهاء مرحلة الاصلاح والتوسعة الاولى للجويدة الأم... وكم كنت اتمنى ان نشهد حفل اغلاق السجن وليس توسعته ف في اللحظة ذاتها هبطت علي عبارة ولا اعرف مصدرها تقول: "افتح مدرسة جديدة تغلق سجناً" لكن انا الان امام سجن ربما اوسع او اشرح برفاهية معقولة... جدران السجن زاهية... الاسرة تلمع.. أماكن التشميس تفقع وكل شيء بالسجن كان يقدح... لا اريد ان ادخل في التفاصيل كثيرا فالسجن ربما يشبه القدر والدخول مرهون بعثرات الزمن أو بتقلبات الشجن أو ظهور المحن والمجن ... قلت بأن في الاردن يحصل مالا يحصل والقصة هنا تختصرها حكاية نزيل تصدر المشهد ومسرح الخطابة متحدثاً موجزاً بلغة سليمة ورائعة أقل ما يمكن ان يقال عنها انها لغة بليغة اختصرت حكاية السجن وقصته على لسان نزيل تحدث في حفل الافتتاح امام وزير العدل الدكتور عوض ابو جراد ومدير الامن العام الباشا عاطف السعودي والمنسق الحكومي لحقوق الانسان باسل الطراونة وجمع غفير من المهتمين والمراقبين والمعنيين والمتابعين من منظمات ومؤسسات وهيئات وجهات رقابية وحقوقية ونقابية وانسانية واعلامية... النزيل الذي تحدث نيابة عن النزلاء بغيابهم وقف وقفة شجاعة وبجرأة قال مال قاله وتحدث عن مركز الاصلاح وشكر الجميع أمام اعجاب وصمت الجميع... النزيل يتحدث والوزير يستمع... النزيل يختصر ويقتصر في كلمته ووزير العدل يتفاعل بصمت وبحركات توحي ربما باستغراب ممزوجة بإيماءات وإيحاءات دفعت الوزير لأن يطلق العنان ليديه للتصفيق مع الباشا والجميع لهذا النزيل الذي ألقى كلمته وجلس مع الحضور ليكمل حفل الافتتاح... هل يحدث هذا في مكان غير الأردن؟! ... الوزير يصفق والباشا يستمع والجميع يتابع فيما المايكرفون يصدح بيد النزيل الذي قال كلمته بصدق وجرأة وموضوعية، قال الكثير وأخفى سبب التوقيف الذي ربما يخصه لوحده... هذا هو باختصار مشهد حقوق الانسان للنزلاء .. فالسجون في الاردن تختلف في تسميتها وماهيتها ورمزيتها ودلالاتها عن غيرها فالسجن عندنا اصلاح وللنزيل حقوق والأمن يدرك كما قال الباشا أن للنزيل كرامة وحق وشرف يجب صونهما والحفاظ عليهما مؤكدا انه لا يرغب في الحديث عن الاغراءات المقدمة للنزيل لكن قلبه كان يتحدث بان النزيل في الاردن لا يختلف عن المواطن إلا بالتسمية فقط وشكرا للزميل باسل الطراونة الذي أتاح لنا أن نرى الجويدة من الداخل وسمح لكل المنظمات الدولية أن تدخل السجن وتتجول وتخرج بانطباع بأن الاردن دولة محترمة تؤمن بالقانون وتمارسه وتطبقه بشرف وكرامة لدرجة أن بعض الأجانب من منظمات دولية قالوا لبعضهم وأنا أسترق السمع "الأردن سيصمد ويختلف عن غيره" فالنزيل يعامل معاملة المواطن وحقوق الانسان تمثل نهج السجون وادارتها... وأخيرا نقول هذه سجوننا وهذه عناوين الاصلاح الحقيقية.