ودامت الأفراح في دياركم العامرة!



ظاهرةٌ باتت لافتةً للنظر، وهي الاحتفال الشعبي والعشائريّ والمناطقي بوصول أحدهم إلى سدَّة منصبٍ، أو حصوله على ترقية. حيث تضجُّ وسائلُ التواصل الاجتماعي بالتهنئات، وتشتعلُ بالأفراح.. بينما تُنصَب الخيم وتُشاد الموائدُ، وتنطلقُ الزغاريد، وتُقام حلبات الرقص وأغنيات الفوز والعزّ الوطني؛ يستوي في ذلك من اختير وزيراً أو مديراً أو رئيساً لمجلس أو نجح في انتخابات ، أو حتى نجح في التوجيهي. ضجيجٌ وصخبٌ وتزمير وسيارات وحشودٌ وأفراحٌ مزيّفة ورصاص، ربما يذهب فيها ضحايا إطلاق نار (كما يحدثُ فعلاً)، لا يجب أن تعني أسبابُها شيئاً إذا كنا في دولة مدنيّة، تعلو فيها المواطنةُ على أيِّ اعتبارٍ آخر، وتعني فقط أنَّ السادة المبجّلين ليسوا سوى خدمٍ للشعبِ كلّه بلا استثناء. إذ كل مظاهر السعادة هذه بفوز أحدهم بمنصب، وسيل التهنئات تلك، ما كانت لتكون لو أن الشعب المهنِّئ، والشخصَ المهنَّأ، يدركان تماماً أن المناصب ليست فوزاً ومغانم، وأنها مراكز لخدمة جميع الناس على قدمٍ من المساواة وبحكم القانون ليس غير.
إذن، نحن ما زلنا تحتَ مفهوم ما قبل الدولة، حيثُ المنصبُ تسيُّدٌ للفائز، ومنفعةٌ للأقارب والعشيرة والجوار، وعزٌّ وجاه وسلطةٌ ونفوذ.. وهي أفكار تجاوزت معظمَها الدولةُ بمفهومها الحديث. والأمثلةُ على ذلك أن الولايات المتحدة لم تقم فيها الأفراح والتهنئاتُ في طول البلاد وعرضها بعد فوز ترامب، وإلا انشلَّ الاقتصاد، وربما تدبُّ الفوضى، وخصوصاً أنَّ هناك دوماً من يشعرُ بالغبن لفوز هذا دون ذاك.
وإذن، فنحنُ بصدد حالةٍ من التخلف الموجع، تجعلُ من الصعبِ أن نطمئنَّ إلى أنَّ المطلب الشعبي هو فعلاً "الشخص المناسب في المكان المناسب"، وإلا فلمَ هذا الصخب الشعبيّ بالفوز، كأننا بإزاء غزوةٍ حصدنا فيها الغنائم؟!!
دعوما لا نفقد الأمل..!