صندوق النقد الدولي.. الصدمة والتسكين

اعلنت كرستين لاغارد ان الصندوق سيقدم ما قيمته مليارا دولار قبل ساعات قليلة من خروج تظاهرات محدودة التأثير الى الشارع المصري والمترافقة مع اجراءات امنية مشددة، كما اعلن الصندوق ان مصر ستحقق نموا كبيرا خلال العام القادم والذي يليه لتقارب النسبة 6%.

رغم التفاؤل الذي يبديه صندوق النقد ممثلا بالسيدة كريستين لاغارد الا ان ذلك لم يمنع البرادعي من مواصلة حملته ضد النظام الحاكم في مصر، لينضم اليه مؤخرا المرشح السابق للرئاسة الجنرال شفيق، ما يعني ان الازمة المصرية لا زالت تتفاعل وان التفاعل هذه المرة والصدام بات في قمة الهرم السياسي وبين المتحالفين السابقين، مع توافر مؤشرات على وجود صراع داخلي اشد حدة وخطورة بين اركان الحكم.

حرص الصندوق على استقرار مصر، الا ان العلاج بالصدمات لن يجدي نفعا في ظل ضعف فاعلية مؤسسات الدولة والانقسام الحاصل داخل النخب الفاعلة والمؤثرة في مصر ممثلا بقطاع رجال الاعمال والنظام السابق والنخبة العسكرية الحاكمة في مصر، والمترافق مع تسريبات بوجود تلميحات تصدر من احدى الدول الخليجية بضرورة تنحي الرئيس الحالي بهدف التخفيف من ضغوط الازمة الداخلية في مصر.

يدعم التوجه العام لدى صندوق النقد الدولي مواقف غربية، اوروبية تحديدا ترى في تدهور الاوضاع في مصر الى مستويات اكبر سيقود الى موجه لجوء هائلة، ما يجعل هدف الصندوق والدول الاوربية هو منع وقوع الكارثة التي تقود لفشل الدولة وعجزها عن اداء وظائفها.

اوروبا ومعها الصندوق الدولي تريد تجنب سيناريو فشل الدولة، وتدهور الاوضاع المرتبطة بأمن المتوسط وموجات اللجوء، وليس الدفع نحو تقديم حلول للازمة السياسية والاقتصادية في مصر، فالحلول التي قدمها صندوق النقد تسكينية، ولن تجدي نفعا على المدى الطويل، والعقلية الترمبية ليست مقتصرة على امريكا بل لها جذور قوية في اوروبا وصندوق النقد.

مصر بحاجة الى مصالحة ومشروع اصلاح داخلي سريع؛ منعا لتدهور الاوضاع نحو انهيارات كبرى من الصعب التنبؤ بها، فرغم التفاؤل الآني الذي يبديه صندوق النقد فإن واقع النخبة المصرية المتصارعة والشارع المحتقن والمنقسم والاقتصاد المتدهور حقائق لا يمكن علاجها بمجرد صرف المزيد من القروض، فالاولوية هي لصرف مبادرات سياسية اكثر جراءة تسمح بتحقيق المصالحة في مصر والبدء بعملية بناء حقيقية لا تتوقف عند حدود تسكين الازمة، وإنما تتجه نحو علاج ازمات مصر الاقتصادية والاجتماعية، فمصر تفتقد الى مبادرات سياسية وتدور في حلقة اقتصادية مفرغة تزداد فيها معاناة المصريين والدولة بمختلف مؤسساتها.