ترامب وسياسة الهوية والإرهاب


عقب فوز المرشح الجمهوري بانتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب سادت حالة من القلق والفزع داخل أمريكا وخارجها ذلك أن ترامب يؤشر إلى بزوغ عصر أمريكي جديد يرتكز إلى سياسات الهوية أكثر من الاعتراف فالولايات المتحدة التي كانت مثالا على تدبير الخلافات الفلسفية والأيديولوجية والتعايش السياسي بين أطراف الجدال والسجال بين الليبراليين والمحافظين واحترام الآراء المختلفة المتعلقة بأسلوب الحكم ومنظومة القيم الأميركية وطبيعة دورها في العالم بدأت بالتغيّر فالسياسة بدت منقسمة ومتصدعة وفق خطوط الهوية الفجة كالعنصر والطبقة والدين وأصبح محور النقاش والسؤال يدور حول كونك أميركيا أبيض مولودا في أميركا أم أنك وافد من الخارج؟ وهل أنت من الناس العاديين أم من النخبة؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي ترتكز على سياسة الهوية وتنتهي إلى الاستبعاد والنبذ.


سياسة الهوية التي باتت مهيمنة على النقاش السياسي الأمريكي استدعت حالة من القلق والخوف من انتقالها إلى أوروبا فأحد تداعيات فوز ترامب على القارة العجوز انبعاث الهويات القاتلة ذلك أن نهج ترامب العام يجتذب السياسية «اليمينية المتطرفة» ماري لوبن بـفرنسا وحزب البديل لألمانيا فقد أظهر ترامب أن الشعبوية لا تحدد قضايا النقاش فحسب بل يمكنها أن تكسب أيضا الأمر الذي ربما نشهده في العالم العربي بعد حقبة الانتفاضات الاحتجاجية والصراعات الأهلية المسلحة الذي باتت فيه هوية الدولة والمجتمع وخطوط الانقسامات الإثنية والطبقية والدينية ترتكز على الهوية وأصبحت الجاذبية الجهادية تقوم على أساس الهوية مع صعود تنظيم الدولة الإسلامية.

بصرف النظر عن تداعيات الحالة الترامبية على العولمة والعالم فإن خطوط الاستراتيجية الجديدة للحرب على الإرهاب تقوم على تعريف الإرهاب هوياتيا وإذا كان العالم عموما وأوروبا خصوصا تنتابه حالة القلق فإن تنظيم الدولة الإسلامية يشعر بالسعادة ذلك أنه دشن عصر الجهاد الجديد المرتكز على الهوية ومن المؤكد أن دونالد ترامب وأبو بكر البغدادي لم بخترعا سياسة الهوية لكنهما من يجسدها بكل تأكيد فإذا كان ترامب يرتكز في خطابه على المجازات اللغوية المتعلقة بالطبقة والعنصر باعتبار الحكومة الأميركية باتت في قبضة أقلية «أوليجاركية» تشوه كل شيء من أجل مصلحتها وأن الشعب الأميركي محاصر بالأجانب الذين يستولون على وظائفه، ويهددون حياة أفراده، فإن البغدادي يرتكز على ذات الأسس الفلسفية الدينية الهوياتية باعتبار العالم الإسلامي مختطف من حكومات أقلوية تمتهن الأكثرية السنية وتشوه الدين الأسلامي الأصيل.

في سياق تنامي اللعبة الهوياتية فإن مقاربة ترامب للحرب على الإرهاب تستند إلى إعادة تعريف الإرهاب وتوسيع استخدامه على أساس الهوية وقد بدا ذلك واضحا في خطاب ترامب حول الإرهاب والإسلام التي تقوم على الرؤية الاستشراقية والثقافوية الفجة التي تتجاوز مقاربات برنارد لويس وصموئيل هنتنغتون العلموية وتدخل في سياق الشعبوية فترامب لا يتردد في توصيفه للحالة الإرهابوية المعاصرة بنعتها بـ «الارهاب الاسلامي المتطرف» وعلى الرغم من الضحالة المعرفية لترامب حول الديانة الإسلامية لكنه يتماهى مع الأطروحة الاستشراقية والثقافوية عن الإسلام يصيغتها الشعبية التي تضع الإسلام في حالة تلازم مع التطرف والإرهاب دون انفكاك.

أحد أبرز أطروحات ترامب في الحرب على الإرهاب ترتكز إلى سياسة الهوية فهو يدفع بالنظريات الإستشراقية والثقافوية إلى غاياتها النهائية فإذا كان الإسلام يتسم بالجوهرانية والسكونية ومتلبس بالعنف والتطرف والإرهاب فيجب منع المسلمين من دخول أمريكا وإذا لم يكن ممكنا طرد المسلمين الأمريكيين من أمريكا فلا بد من إخضاعهم لفحوصات الوطنية الأمريكية وقد دعا ترامب سابقا لمراقبة المساجد في الولايات المتحدة قائلا إنه لا يعنيه إذا كان قوله «صحيحا سياسيا» واقترح مراقبة المسلمين من قبل الجهات الأمنية كمبادرة لمكافحة الإرهاب وانتشرت تقارير كثيرة على أن ترامب يريد إنشاء قاعدة بيانات عن كل المسلمين الأمريكيين ولكنه نفى ذلك لاحقا.

في سياق محاولة التخفيف من مقاربة الهوية والإرهاب رفض أوباما استخدام عبارة «التطرف الإسلامي» لكن المرشحة الخاسرة هيلاري كلينتون التي أدركت قوة سياسة الهوية وأثرها على جلب الأصوات تماهت مع خطابات ترامب وقالت بأنها لم تخش استخدام عبارة «التطرف الإسلامي» لكنها لن تعتبر أوباما خاطئا لعدم استخدامه لها الأمر الذي دفع السيناتور بين ساسي أحد أعضاء لجنة الأمن القومي للرد على أوباما في بيان مكتوب قال فيه: «أنت مخطئ» وتابع: «الاعتراف بالحقيقة حول عنف الإسلام هو أمر أساسي للاستراتيجية–الاستراتيجية التي اعترفت أنك لا تمتلكها، فمن واجبات رئيس الأركان أن يحدد الأعداء لمساعدة الشعب الأمريكي على إدراك تحدي العنف الإسلامي».

إن مقولة العنف الإسلامي تختصر سياسة الهوية والإرهاب وتؤشر على تبني استراتيجيات أمريكية أكثر صلابة وأشد تطرفا حيث تنمحي الفروقات بين الإسلاميين وتغدو مسألة تعريف الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين كحركات إرهابية مسألة محسومة كما أن الحديث عن فصائل إسلامية سورية معتدلة تصبح لاقيمة لها الأمر الذي يقترب مع المقاربة الروسية للرئيس بوتين حول الإرهاب والذي يعتبر كافة حركات المعارضة الإسلامية السورية إرهابية كما أن روسيا كانت قد وضعت جماعة الإخوان المسلمين على لوائحها الإرهابية مبكرا.

هكذا فإن تنظيم الدولة الإسلامية وأنصاره أكثر سعاد من غيره من الجهاديين بفوز ترامب لارتكازه على سياسة الهوية إذ يعطي ترامب مصداقية أشد لخطاب التنظيم دون عناء فالحجج التي يقدمها تنظيم الدولة حول وجود وجه أمريكي معاد للإسلام لم يعد يتطلب حججا إقناعية باعتبار ترامب يمثل الوجه الحقيقي لأمريكا الأمر الذي سوف يعز من إيديولوجية التنظيم الهوياتية ويساهم في تيسير عمليات الاستقطاب والتجنيد ويعمل على إزالة العقبات أمام توحد الجهادية المحلية والعالمية، لا سيما أن مقاربة ترامب حول الأمن والإرهاب متفوقة على رؤية كلينتون وأوباما شعبيا فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة «فوكس نيوز» في أيار/مايو تقدّم ترامب على كلينتون في هذه المسألة بـ 12 نقطة.

إن مقاربة ترامب النظرية المتعلقة بموضوعة الإرهاب لا تخرج عن جوهر النظريات الاستشراقية والثقافوية وتدفعها إلى نهاياتها المنطقية ومرتكزاتها الهوياتية الأمر الذي سوف يقود إلى تبني استراتيجية لحرب الإرهاب أشد قسوة تعمد لى الدفع بالمقاربة العسكرية الأمنية إلى حدودها البراغماتية القصوى دون النظر إلى أسباب التطرف والإرهاب الموضوعية وهو ما سنرى تطبيقاته في أماكن عديدة خصوصا سورية التي ستشهد تنسيقا أمريكيا أكثر مع روسيا والتخلي عن مسألة المعارضة المعتدلة سوى تلك التي سترضخ للكف عن قتال النظام وتتفرغ لقتال تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة لكن المؤكد أن هذه المقاربة الكارثية سوف تساهم في شيوع الفوضى وعدم الاستقرار وتنامي الإرهاب.