ذاكرة الأردنيين: القربة ليست مثقوبة

 

لسنا ضدّ أحد ممّن يدّعون الحكمة، فمواقفهم ستدلّ عليهم، وستتمكن الناس من الفرز، ولكنّنا ضدّ من يدّعي الحكمة بأثر رجعي، فيتبنّى أفكاراً كان يقف ضدّها، ويتخّذ مواقف كان نقيضها، وحتى هذه فنحن لسنا ضدّها تماماً، إذا كان الرجل من هؤلاء على قدر الموقف الجديد، فقدّم اعتذاراً من مواقفه السابقة!

نعرف، ويعرف الشعب الأردني كلّه، التاريخ المعاصر، ونعرف من وقف مع قضايا الحريات، ومن وقف ضدّها، ونعرف من وقف مع القرارات المرتجلة الموصلة للفساد، وصارت بوصلته، ومن وقف ضدّها، ونعرف من أيّد ودافع عن معاهدة وادي عربة والعلاقات التطبيعية مع العدو، وتبعاتها المدمّرة، ومن وقف ضدّها.

ذاكرة الأردنيين ليست قِربة مثقوبة تهرب منها أنواع الماء، فيختلط الفرات مع الأجاج، بل هي غربال ينقّي الرمل الناعم الصالح من الحصى، ولهذا فلسان حالهم مع "البطولات الجديدة” التي تُبنى أمامهم إمّا الضحكة المكتومة، أو التعليق الساخر، أو قول: ولله في خلقه شؤون!

وكلامي هذا ليس ضرباً في المبني للمجهول، ولكنّ المعنيين به معروفون للجميع، وتضيق مساحة المقالة بهم، وَمِنهم على سبيل المثال من قدّم حياته فداء للقوانين المؤقتة القاتلة للحريات، ودافع عن التدخلات الحكومية في الإعلام، ودعا من قلبه وجوارحه إلى ما أوصل للفساد الكبير، وقبلها صار سفيراً فاعلاً في "إسرائيل”، وغيرها، وهو الآن يتبنّى عكس ذلك كلّه.

يبقى أنّنا نقبل ونؤيد العقلانية والوطنية والحكمة المكتشفة حديثاً، ولكن ليس بأثر رجعي يَجبّ ما قبله، ولهذا فعليه وغيره الاعتذار عن مواقف مسبقة، وبعدها فلكلّ حادث حديث…