فشل النخبة


طرحت الانتخابات الأميركية أكثر من سؤال حول فشل النخبة السياسية في توجيه إرادة الناخب وفي فهم توجهات المجتمع الأمريكي، وهو ما يعزز المقولات الرائجة دوما بأن استطلاعات الرأي لا يمكن أن تعكس التوجهات الحقيقية لإرادة الناخب ولا المستجيبين لها في أسئلتها التي تطرحها في مختلف القضايا.

حدث ذلك سابقاً في الاستطلاعات التي جرت في بريطانيا والتصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفي انتخابات المغرب الأخيرة وفي الانتخابات الأردنية حيال توقعات فوز الإسلاميين وعدد مقاعدهم، وفي ذلك تأكيد على أن استطلاعات الرأي لديها مشكلة منهجية.

فيما يخص أمريكا حدث ما يعزز فرضية الفشل للاستطلاعات وفشل النخب السياسية الداعمة لها سواء كانوا في مؤسسات بحثية أو إعلامية، فصوّت الناخبون بشكل مغاير لما توقعه الخبراء، إذ إن استطلاعات الرأي العام كانت أشارت إلى تقدم مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون في ولايات مثل أوهايو، على سبيل المثال، بفارق كبير، إلا أن مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب فاز في هذه المناطق بذات الفارق، وليس في ذلك خطأ أو انعطاف على اللعبة الديمقراطية أو رشوة مالية لشراء طبقة من المجتمع، بل ثمة مشكلة خطيرة بالفعل تبدو اليوم أكثر شخوصاً حين نعلم أن جل النساء من خلفيات أفريقية صوتن لصالح هيلاري في حين أن الشباب السود لم يفعلوا ذلك بالرغم من الدعم المنقطع النظير من الرئيس أوباما للمرشحة الديمقراطية وبالرغم من أوباما كان يحدثهم عن الحلم الأمريكي الذي جاء بأول رئيس من أصول افريقية، وأنهم قادرون على انتخاب أول امرأة أيضا .

لكن ما الذي يمكن أن نستفيده من الدرس الأمريكي؟

إن أول الدروس هو عدم القدرة دوماً على توقع حركة الجمهور، إذ صوتت الطبقة العاملة لصالح ترامب، والذي ظهر بأنه المدافع عن الوطن الأمريكي، وكان ضد التوسع الخارجي ومع الاهتمام بالداخل، وهذا هو الخطاب الجمهوري القديم الذي جذب الناخبين، كما نجح ترامب في تجييش العالم وفي إثارة خصومه وفي لعب دور الضحية، فيما راحت النخب الديمقراطية تركز على عيوبه وسلوكياته وتكشف له التصريحات القديمة وقصص النساء، وقد نجح في اختراق النخبة السياسية ذات الـتأثير وأفقدها القدرة على الحسم، وظل يركز في خطاباته على أن فرص العمل يجب أن تعود على الداخل الأمريكي.

وفي المقابل، ركزت كلينتون على خطاب اصحاب المال من ذوي المصارف ورجال المال، مما جعلنا بين قوتين يمثلها كل من ترامب وكلينتون فالأول يمثل قوة الصناعة وكلينتون تمثل نخب المصارف والإعلام.

صحيح أنه في عهد أوباما وكلينتون زاد التوسع الأمريكي، لكن الاقتصاد أصيب وتراجع ودخلت أمريكا ازمة، في حين أن الفرصة ستكون امام ترامب لترميم الاقتصاد وفق أولوية الإصلاح الوضع الاقتصادي، وبخلق فرص عمل للناس، وسيكون أمام النخب الداعمة لكلينتون أن تخلق حالة من المعارضة، وسيكون خلف ترامب القوة الصناعية العسكرية ولديها نظامها الصناعي، وسيكون لديه هدف إعادة النظر في الخدمة العامة والمرافق وهو ما فشل به أوباما.

نعم فشل جيش الأكاديميين والإعلاميين والساسة الداعمين لكلينتون، وفشلت توقعات الاستطلاعات، فترامب طال ما هو مقدس في أمريكا وهو مسألة انتاج العمل»، لإحياء عظمة الولايات المتحدة، في حين لم تحسم هيلاري الرأي في كيفية إعادة الهيبة الأمريكية التي مرغها أوباما في التراب.