تحنيط «مجمع رغدان»


هل تتذكرون مجمع رغدان المحاذي للساحة الهاشمية والمدرج الروماني ولا تفصله الا بضعة أمتار عن سفح جبل القلعة و سبيل الحوريات في وسط البلد ؟ هل تعرفون ان هذا المشروع العمراني الخدمي المدني النوعي والكبير ولد ميتا عام 2006 ، وان عملية تحنيطه ما زالت جارية حتى اليوم ؟


قصة هذا المجمع مثل قصص بعض المشاريع العمانية محزنة ومحيّرة في أن واحد. فكل تفاصيل البنية التحتية لهذا المشروع جاهزة في مكانها وقابلة للحركة والتفعيل والاداء ، لكن تضارب مصالح وأراء الاطراف المستهدفة من وراء المشروع ما يزال يقف عائقا عنيدا أمام جني ثماره ، وعلى حساب مصلحة العمانيين الذين لا يستحقون مثل هذا الاهمال والاستخفاف من قبل كل من له علاقة وظيفية بهذا المشروع.

الوضع الشاذ اليوم لهذا المشروع والمعلق بين الحياة والموت وكأنه جثة ممددة على طاولة التحنيط يتحدى ليس فقط أمانة عمان أو أصحاب المصالح الضيقة أو مشغلي السيارات والباصات التي أنشأ المجمع لتنظيم حركتها أصلا ، بل هو تحد أمام كل مواطن عمّاني يحب مدينته وينتمي اليها ، وأمام كل تجار وسط البلد الذين ورثوا مهن أبائهم وأجدادهم ، الذين كانوا يبيعون ويشترون بضائعهم على القبان وبالرطل وعلى الدفتر ومنذ ما قبل عهد الامارة. حتى ان بعض هؤلاء التجار اليوم باتوا يساهمون في تغطية فروق ايجار العقارات التي تضم المراكز الأمنية لتمكينها من القيام بواجباتها ، لأن ذلك ببساطة يشكل ضمانة لاستمرار أعمالهم وسلامة ممتلكاتهم ورزقهم الحلال. وهذا نمط من التعاون قد يكون من أرقى أشكال التفاعل والشراكة بين المواطن والدولة.

لكن ما هي أبرز المعيقات في وجه تشغيل هذا المجمع الذي سيدخل تاريخ عمان لا محالة من أحدى بوابتين: أما الخدمة الفعلية المباشرة كما خطط لها أصلا ، أو الخدمة بأثر رجعي عندما يعلن عنه قريبا كمعلم أثري تراثي يجذب السواح الاجانب والزوار المحليين ؟ التحدي الرئيسي الاول يتعلق بتنظيم حركة خطوط السرفيس والباصات بين وسط المدينة وأحياء عمان شرقا وغربا ، وربط عمان بالزرقاء والرصيفة وغيرهما. والمشكلة الثانية تتعلق باعادة تشغيل البسطات والمحلات التجارية داخل المجمع بشكل قانوني ومنظم.

أهل عمان يعرفون أيضا ان انجاز هذا المشروع تم بالتعاون مع (جايكا) المؤسسة اليابانية للتعاون الدولي ، وانه تم تسليم مفاتيحه عام 2006 لأمانة عمان حسب البرنامج المقرر. وهم لذلك ممتنون للشعب والحكومة اليابانية. لكن من حقهم أيضا ان يوجهوا أنظارهم نحو الطرف الاخر في هذه القضية الا وهم الشركاء الاردنيون ويسألونهم عن سبب تعطيل هذا المشروع الحيوي الكبير في وسط مدينتهم؟

لعل الخطوة الاولى لتحريك الجمود المحّير المحيط بهذا المشروع هو تشكيل «لجنة مستقلة محايدة مؤقتة» يناط بها اجراء مراجعة شاملة لهذا المشروع بعد الاستماع لكافة الجهات المعنية والاطلاع على كل التفاصيل ، ومن ثم وضع تصور واقعي ومنصف وملزم للاطراف المعنية دون مماطلة أو تأخير. اللجنة العتيدة ستكون ترجمة فعلية للشراكة وجسرا للثقة بين المواطن وأمانة عمان كما يردد بعض المسؤولين في الامانة.

أما اذا بقي الحال على ما هو عليه واستمرت جهود التحنيط العبثية القائمة من 10 سنوات ، فان أهل عمان سيفيقون يوما على اكتشاف جديد تزفه لهم الجهات المعنية بترويج السياحة النوعية في مدينتهم ، مفاده ان الموقع المسمّى «بمجمع رغدان» قد أضيف الى قائمة التراث العالمي وبمباركة جليلة من منظمة « اليونسكو» وبات مفتوحا أمام الزوار تماما مثل المدرج الروماني وسبيل الحوريات وجبل القلعة ومتحف الاثار الرابض فوقه!

«مجمع رغدان» هو ابن شرعي لأمنا عمان ، لكنه لا يجد الا معاملة اللقطا